خطابات

29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023

اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

بواسطة Rola Dashti

دولة الرئيس نجيب ميقاتي،

دولة الرئيس محمد إشتية،

الحضور الكريم

 

 كَكُلِّ سنة، نلتقي لإحياءِ اليومِ الدوليِ للتضامنِ مع الشعبِ الفلسطيني.

غير أنّنا، في هذه السنة، نُحْيي هذا اليومَ في ظلِّ ظروفٍ أليمة غيرِ مسبوقة.

نُحييهِ ونحنُ نُحصي ضحايا الحربِ على غزةَ الغالية،

ونحن نحترقُ حزناً على أطفالٍ لن يضحكوا بعدَ اليوم،

ولَن يبكوا،

ولَن يكتبوا أسماءَهم لا على دفاترِهم في المدرسةِ ولا على أيديهم في البيت.

نكادُ لا نصدّقُ ما نراهُ وما نسمعُه، فنَصْمُت.

فأيُّ كلامٍ يُقالُ بعدَ هذه المجازر؟

أيُّ كلامٍ يمكنُ أن نقولَه لمليونِ طفلٍ في غزة، ولملايينِ الأطفالِ في العالَم؟

كيف نشرحُ لهم ما يحصُلُ وكيف حَصَل؟ كيف نبرّرُ لهم عجزَنا عن وقفِ الجريمة؟

ماذا نجيبُهم عندما يسألونَ كيف سمَحْنا لهذا الكابوسِ الذي كنا نظنّه مستحيلاً أن يتحقّق؟

كيف نقولُ للأطفالِ الذين لم يحصُدْهم الموتُ إنّ بانتظارِهِم بعد هذا الكابوسِ كوابيسُ أخرى؟

كيف نقولُ لهم إنّ ما عاشوه خلال هذه الحربِ سيطارِدُهم مدى حياتِهم، حتى بعد سكوتِ المدافعِ وإعادةِ بناءِ ما تهدّمَ من حَجَر؟

 

الحضور الكريم،

الكابوسُ الذي كنّا نظنّه مستحيلاً أمسى حقيقةً!

فنحن ما كنّا نتخيّلُ، ولَوْ لِلحظة، أنّنا سنشهدُ يوماً قتلَ أطفالٍ داخلَ مستشفياتٍ محاصَرةٍ بالدبّابات، بعد تجويعِهِم وقصفِهم في بثٍّ حيٍّ أمام أعينِ العالمِ أجمَعْ!

ما كنّا نتخيلُ، ولو لِلحظة، أنّ كلَّ القوانينِ والمعاهداتِ والقراراتِ الدوليةِ ستُضرَبُ عرضَ الحائطِ في الأرضِ المقدّسة، والعالمُ أعجَزُ من أن يوقِف هدْرَ الدماء، بل أعجَزُ من أن يُدْخِلَ دواءً لطفلة، أو كوبَ ماءٍ لمريض، أو كَسرةَ خبزٍ لِجائع.

2,3 مليون فلسطينيٍّ وفلسطينيةٍ في غزةَ لم يخطرْ ببالِهم يوماً أنّ العالَمَ سيتفرّجُ على قتلِهم، بعدما تفرّج على حصارِهم، وحرمانِهم، ومظلوميّتِهِم.

أكثرُ من مليونِ طفلٍ فلسطينيٍّ وُلِدوا وعاشوا تحت الحصار.

عاشوا في أكبرِ سجنٍ مفتوحٍ في العالم، واستمروا في اللعبِ والضحكِ والتعلُّم.

حُرِموا من كلّ شيء، إلا من مخيّلتِهِم البريئةِ التي لم تتّسعْ لحجمِ الخوفِ والألمِ والدمارِ الذي كان ينتظرُهم.

لم يتخيّلوا لِلحظة أنّ بانتظارِهم حرباً ستحصدُ منهم في شهرٍ واحدٍ أضعافَ ما حصدَتْهُ كلُّ حروبِ العالمِ مجتمعةً في سنواتٍ وسنوات.

 

السيداتُ والسادة،

لا معنى للأرقامِ في غزةَ وفي فلسطين اليوم.

لا معدّلاتُ الفقرِ والحرمانْ، ولا تفاقمُ البطالة، ولا تدميرُ الاقتصاد، ولا انهيارُ الأمنِ الغذائي والمائي له معنى.

ولا الحديثُ عن التنميةِ المستدامةِ وأهدافِها له معنى.

فلا يمكنُ قياسُ القهرِ والألمِ والغضب.

ولا يمكنُ لأيّ نموذجِ محاكاةٍ أن يتنبّأَ بما سينبُتُ في المستقبلِ ممّا زُرِع اليومَ من دموعٍ وأنين.

 

الحضورُ الكريم،

صادفَتْ في هذا العام الذكرى الخامسةُ والسبعون للنكبة،

الذكرى الأليمةُ لاقتلاعِ مئاتِ الآلافِ من الفلسطينيين من أرضِهم وبيتِهم،

ولارتكابِ المجازرِ بحقِّ الأطفالِ والنساءِ والرجال.

حينَها، لم تكن المعلوماتُ تصلُ بالسرعةِ الكافيةِ لاتخاذِ الإجراءاتِ اللازمةِ لمنعِ الجريمة.

أمّا اليومْ، فما هي حجّتُنا؟

أليس ما يجري اليومَ هو نكبة؟

ألم يُقتلَعْ ويُهَجَّر اليومَ أضعافٌ ممّن شُتتوا عام 1948؟

 

السيداتُ والسادة،

إنّ الهدفَ من وجودِ القانونِ الدوليِّ والأممِ المتحدةِ هو الحؤولُ دون تحميلِ المدنيّينَ أعباءَ الحروب، ومنعُ الظلمِ الذي يولّد الانفجاراتِ والمزيدَ من الضحايا.

ولكن، بعد 75 عاماً من الظُلم والشّتات، وبعدَ الحربِ تِلْوَ الأخرى، وبعدَ مئاتِ آلافِ الضحايا،

بات واضحاً وضوحَ الشمسِ أنّ أصلَ المشكلةِ هو عدمُ إنفاذِ القانونِ الدولي في دولةِ فلسطين، وعدمُ المساءلةِ والمحاسبةِ على انتهاكِ هذا القانون.

 

غير أنّ حجمَ الكابوسِ ونتائجَه لم تتكشّفْ كلُّها بعد، والقليلُ الذي نعرفُه حتى الآنَ مُرعِب.

أما بالنسبةِ للغد، فيجبُ أن نُدرِكَ أنّ تداعياتِ هذه الحربِ غيرُ مسبوقة،

وأنها تتطلبُ مقارباتٍ على قدْرِ حجمِ الكارثةِ للنهوضِ والتعافي.

وذلك يفرُضُ علينا الابتعادَ عن المقارباتِ التقليديةِ التي اعتُمِدت في غزةَ وسائرِ الأرضِ الفلسطينيةِ المحتلةِ بعد كلّ الحروب السابقة.

فلا يمكنُنا بعدَ اليوم الاكتفاءُ بتضميدِ الجِراح، دون معالجةِ الأسبابِ الجذرية،

ولا يمكنُنا العملُ على النهوضِ والإنماءِ والإعمارِ من دونِ تلبيةِ الاحتياجاتِ والأولوياتِ التي يحدّدُها الفلسطينيون أنفسُهم، ودون أن يكونَ العملُ مربوطاً بإنفاذِ القانونِ الدولي.

 

الحضورُ الكريم،

بعد مرورِ 75 عاماً من الظلم، وبعد المآسي المفروضةِ على غزةَ اليوم، لا يمكننا أن نلومَ الشعبَ الفلسطيني، أو أيَّ شعبٍ آخر، على انعدامِ ثقتِه بمنظومةِ العدالةِ الدوليةِ والقانونِ الدولي.

ولا يسَعُنا إلاّ أن نعملَ لِنحولَ دون الانزلاقِ مجدداً نحو الفوضى وشريعةِ الغابِ في العالم. وليس أفضلَ من قضيةِ الشعبِ الفلسطيني لتشكّلَ بوصلةً للعدالةِ الدولية، ولِتصوّبَ مسارَ البشريةِ بعيداً عن المآسي التي شهدها القرن الماضي.

 

ختاماً،

في يومِ التضامنِ مع الشعبِ الفلسطيني، نتذكّر أنّ تضامنَنا هذا هو، في الجوهرِ، تضامنٌ مع الإنسانيةِ وقيمِها،

وتضامنٌ مع الحياة،

ومع كلِّ ما يستحقُّ الحياةَ على هذه الأرض.

 

وشكراً.

Related event
arrow-up icon
تقييم