أصحاب المعالي والسعادة،
السيّدات والسادة،
صباح الخير. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر بدايةً الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، على التزامه ودوره القيادي في تشجيع التعاون وحشد التمويل للعمل المناخي في المنطقة العربيّة.
منطقتُنا معرّضة بشكل خاص لآثار تغيّر المناخ.
- موجاتٌ من الحر وعواصفُ رملية تعرّض صحةَ الناس للخطر وتؤثّر على شبكات التجارة والنقل؛
- جفافٌ يهدّد الإنتاجَ الزراعي، والأمنَ الغذائي، وسبلَ العيش؛
- فيضاناتٌ وعواصفُ تدمّر المدن والسواحل والنظم الإيكولوجية.
التوقعات المستقبلية مخيفة. ففي هذا الشهر بالذات، حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة العالمية في السنوات الخمس المقبلة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة. درجات الحرارة القصوى ليست جديدة على منطقتنا، قد تصل إلى 54 درجة مئوية في الكويت والعراق. تقتضي مكافحةُ تغير المناخ وتعزيز القدرة على التكيف في مواجهة درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع اتخاذَ إجراءاتٍ عاجلة ومنسقة وفعالة؛ إجراءاتٍ تتطلّب تمويلا يحدث فرقاً. والتمويل المناخي المتوفّر حالياً في المنطقة العربية لا يكفي لتغطية احتياجاتها. ولتمكين الدول من تحقيق أهدافها المناخية والحد من التعرض لآثار المناخ، علينا أن نحسّن كميّة تدفّقات التمويل إلى المنطقة ونوعيّة هذه التدفقات، ولا سيما في المجالات الأربعة التالية:
- أولا، نحتاج إلى المزيد من الالتزامات بتمويل المناخ.
لم تتلقَّ الدول العربية، خلال العقد الماضي، سوى 35 مليار دولار من التمويل العام الدولي للمناخ، أي أقل من 6 في المائة من المبلغ المطلوب لتلبية احتياجات إحدى عشرة دولة عربية للسنوات العشر القادمة، على النحو المذكور في مساهماتها المحددة وطنيا. ونحتاج بشكل خاص إلى تعزيز الجهود العالمية لزيادة الالتزامات بتأمين التمويل للأكثر ضعفا. فأقل البلدان العربية نموا تتلقى حاليّاً أقل من 7 في المائة من إجمالي التمويل الدولي العام للمناخ الوافد إلى المنطقة.
- ثانيا، نحتاج إلى المزيد من التمويل المناخي القائم على المنح، والميسَّر، والمبتكَر.
رغم عبء الدين العام المرتفع الذي تتحمّله المنطقة العربية والذي يبلغ تريليون ونصف تريليون دولار، فإن 87 في المائة من التمويل المناخي الذي تلقته على مدى السنوات العشر الماضية كان في شكل أدوات دين. غير أنّ الأدوات المالية المبتكرة، مثل مبادرة مقايضة الديون بالعمل المناخي التي تقودها الإسكوا، يمكن أن تخفّف على البلدان أعباء الديون، وأن تؤمّن في الوقت نفسه تمويلاً مناخياً موثوقاً وطويل الأجل. وبالمثل، تهدف القمة من أجل ميثاق مالي عالمي جديد، التي ستعقد في باريس في الشهر المقبل، إلى زيادة التضامن المالي مع بلدان الجنوب.
- ثالثا، يجب أن يركز التمويل المناخي بشكل أكبر على التكيّف، خاصة في البلدان العربية التي تعاني من ندرة المياه.
فخلال العقد الماضي، كانت التدفقات المالية التي استهدفت التخفيف من حدة المناخ أكبر بثلاث مرّات من التدفقات التي استهدفت التكيُّف. ولا شكّ في أن التوازن بين تمويل التكيّف وتمويل التخفيف قد تحسّن في السنوات الأخيرة، إلا أننا نحتاج إلى زيادة تمويل التكيّف لتحسين القدرة على تحمّل تغيّر المناخ.
- رابعاً، ينبغي أن نتنبّه، في سعينا إلى تعبئة تمويل مناخي يحدث فرقاً، إلى ما هو أبعد من تأمين الأموال.
تحتاج البلدان إلى بيئة مؤاتية للاستثمار، إلى أطر قانونية وتنظيمية قويّة، إلى تحسين تتبّع التدفقات المالية، إلى زيادة التفاعل بين العلوم والسياسات بما يوفّر الأساس المنطقي لتوجيه قرارات الاستثمار والتدخلات السياسية.
السيّدات والسادة،
الطريق أمامنا لا تزال طويلة! لكننا نرصد إشارات واعدة إلى أننا في الاتجاه الصحيح. اسمحوا لي أن أضيئ على ثلاث منها:
- أولا، المؤسسات والمبادرات العربية تدعم بالفعل العمل المناخي في المنطقة. تشير البيانات المتاحة إلى أنّ الصناديق العربية والمؤسسات المالية الإقليمية تستجيب بشكل أفضل لاحتياجات المنطقة مقارنةً بالتدفقات العالمية. ومع ذلك، لا تظهر جهودها بشكل كاف في قواعد البيانات الدولية، ولا تصنَّف ضمن التمويل الأخضر أو المراعي للمناخ. وأشير في هذا الإطار إلى أنّ تحسين الإبلاغ يؤدّي إلى تحسين الصورة، وبالتالي إلى زيادة التمويل، بما في ذلك من القطاع الخاص.
- ثانيا، لا بدّ من التوصّل إلى فهم مشترك للتمويل الأخضر وتمويل المناخ في السياق العربي. فكيف ننظر نحن العرب إلى الاستثمارات في الهيدروجين، أو المواد الخام الحرجة، أو احتجاز الكربون، أو التدخلات التي تكافح الجفاف والتصحر والقحط والعواصف الرملية؟ من المهم أن نعمل معا لنحدّد ما هي المبادرات الخضراء والمراعية للمناخ، بناءً على خصوصياتنا الإقليمية واحتياجاتنا.
لأنّ التحديد، إذا لم يكن واضحاً، يضع حواجز في وجه الاستثمار، ويعيق الشراكات، ويثير الشكوك حول العمل المهم المنجز في المنطقة للانتقال إلى الطاقة المستدامة والمسارات الإنمائيّة التي تتكيّف مع تغيّر المناخ.
- وأخيرا، لا ينجح العمل على تذليل المشاكل المعقّدة والعابرة للحدود التي يفرضها تغير المناخ من دون التعاون بين البلدان والمؤسسات. يتزايد عدد المبادرات الإقليمية بشأن المناخ، ومن ضمها المبادرات التي أطلقتها دول ومؤسسات مالية عربية، والمبادرات التي تتابعها الأمم المتحدة والمنظمات العربية والدولية التي تخدم البلدان العربية. وتتنوّع أشكال التعاون الإقليمي، ومنها المبادرة العربية لتعبئة تمويل المناخ من أجل المياه، والمركز العربي الإقليمي للمعارف المتعلقة بتغير المناخ، والجهود الحكومية الدولية الرامية إلى تفعيل الاستراتيجيات وخطط العمل الإقليمية، فتتيح سبلا قيّمة لتبادل المعارف الإقليمية، وبناء القدرات، وتعبئة التمويل، ومتابعة العمل المناخي المنسّق.
السيّدات والسادة،
حان وقت العمل.
تتطلع الإسكوا إلى العمل معكم لمكافحة تغيّر المناخ وتعزيز القدرة على التكيّف معه في جميع أنحاء المنطقة العربية.
شكراً لكم.