خطابات

13 أيلول/سبتمبر 2023

ICPD Regional Review Conference

بواسطة Rola Dashti

المؤتمر العربي الإقليمي للسكان والتنمية، التحديات والآفاق: عشر سنوات بعد إعلان القاهرة لعام 2013

بيروت، 13-14 أيلول/سبتمبر 2023

 

أصحابَ المعالي والسعادة،

معالي السيد هكتور حجّار، وزير الشؤون الاجتماعية في لبنان،

السيدة هيفاء أبو غزالة، الأمينة العامة المساعدة لجامعة الدول العربية،

السيدة نتاليا كانم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان،

السيدة فدوى باخده، المديرة الإقليمية للاتّحاد الدولي لتنظيم الأسرة- إقليم العالم العربي،

السيداتُ والسادة،

 

في هذا المحفلِ حيث يُفترَض أن نحتفيَ بما حقّقناه من مكاسبَ للسكان في منطقتِنا العربية، نلتقي وكلُّنا حزنٌ.

حزنٌ على ضحايا الزلزال المفجعِ الذي أودى بحياة الآلاف في المملكة المغربية،

وضحايا الفيضانات المدمّرةِ التي جرفَت البشرَ والحجرَ في الجمهورية العربية الليبية.

باسمي وباسم الإسكوا، أتقدّم إلى هذين البلدَين العزيزَين، قيادةً وحكومةً وشعباً، بأحرِّ التّعازي وأصدقِ المواساة،

وأدعو للضحايا بالرحمةِ، وللجرحى بالشفاءِ العاجل، وللمفقودين بسلامةِ العودة، ولمنطقتِنا بالخيرِ والأمانِ والسلام.

 

بدايةً، أودّ أن أشكرَ جميعَ الدولِ الأعضاءِ على تعاونِهم في تقديمِ التقاريرِ الوطنيةِ والمشاركة في المراجعةِ الإقليمية،

والشكرُ موصولٌ لشركائِنا في جامعةِ الدولِ العربية وصندوق الأمم المتحدة للسكان والاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة على المشاركةِ في تنظيمِ واعداد هذا المؤتمر.

 

الحضور الكريم،

   قبل عشرةِ أعوام، اجتمعْنا لنضعَ رؤيةً طموحةً للسكانِ والتنميةِ في المنطقة العربية، فاعتمدنا إعلان القاهرة، لنبنِيَ عالماً منصِفاً ينعَم فيه أطفالُنا بفرصٍ متساويةٍ للوصولِ إلى التعليمِ والخدماتِ الاجتماعيةِ والصحية،

ويملك فيه شبابُنا مساحةً كافيةً لإطلاقِ طاقاتِهم، وتعيشُ فيه فتياتُنا ونساؤُنا دونَ تمييزٍ أو عنف، وتُحفَظ فيه كرامةُ كبارِ السن، ويُساهِم فيه ذوو الإعاقةِ في بناءِ الحاضرِ والمستقبل.

قبل عشرةِ أعوام، اتّفقنا على ألاّ يكونَ تحقيقُ ذلك العالمِ المنصفِ حلماً، بل وعداً صادقاً والتزاماً جدياً. 

 ولكن، منذ ذلك الوقت، تغيَّرت ملامحُ المنطقةِ العربية، إذ انتشرَت النزاعاتُ المسلحةُ والحروب، وازداد الفقرُ، واستفحلَتْ اللامساواة،  حيث بات أغنى 1 في المئة من سكان المنطقة العربية يملكون حوالي 44 في المئة من إجمالي ثرواتها، 

والـ 10 في المئة الأعلى دخلاً يحصلون على نحو 48 في المائة من مجموع الدخل.

كذلك، بلغت أعدادُ النازحين واللاجئين المسجّلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للّاجئين فقط أكثر من 21 مليوناً، ناهيك عن أعداد غير المسجّلين، كما برَزَت تحدياتٌ ديمغرافيةٌ واقتصاديةٌ وصحيةٌ جديدة. واليوم، ونحن نقفُ على أعتابِ عام 2030

والوقتُ يداهمُنا لتحقيقِ أهدافِ التنميةِ المستدامة،

نتساءل:

أين نحنُ من الوعودِ التي قطعناها لشعوبِنا منذ عشر سنوات؟

أي نحنُ من تحقيقِ الكرامةِ للجميع، ونحن المنطقةُ الوحيدةُ في العالمِ التي تزايدت فيها معدلاتُ الفقر، حتى بلغَ عددُ من يعيشون تحت خطِّ الفقرِ 128 مليوناً؟  

أين نحنُ من تحقيقِ المساواةِ للجميع، وقد تراجع مؤشرُ المساواةِ بين الجنسين في منطقتِنا حتى أصبحت الفجوةُ بين الجنسين هي الأعلى في العالم؟

هذا والبطالةُ تطالُ ربعَ الشبابِ العربي، والأشخاصُ ذوو الإعاقة مستبعَدون من سوقِ العملِ ومحرومون من أبسطِ حقوقِهم، و38 في المئة فقط من كبارِ السنِ يحصلون على راتبٍ تقاعدي.

وكيف لنا أن نبنيَ مستقبلاً مشرقاً في منطقةٍ تُزوَّج فيها واحدةٌ من كلِّ خمسِ فتياتٍ دون سنِّ الثامنةَ عشرة، وتُحرَم فيها العديدُ من الفتياتِ من حقِّ التعليم، ومن حريةِ القرارِ بشأن صحتِها الإنجابيةِ وعددِ الأطفالِ الذين تريد إنجابَهم؟

 

السيدات والسادة،

تحدياتُنا أمْسَت أكثرَ تعقيداً.

ومن أشدِّ هذه التحديات تغيّرُ المناخ.

فتغيّرُ المناخِ يلقي بأعبائِهِ على حياةِ النساءِ والأطفالِ وكبارِ السنِّ وذوي الإعاقةِ والعمّالِ المهاجرين واللاجئين وغيرِهم من الفئاتِ المعرّضةِ للخطر.

وهو يعمّق أوجهَ عدمِ المساواة، خاصةً في منطقةٍ تتقاطعُ فيها ندرةُ المياهِ مع موجاتِ الجفافِ والفيضاناتِ والتصحرِ، وانعدامِ الأمنِ الغذائي، والنزاع، والهجرةِ القسرية، والتوسّعِ الحضريِّ غير المسبوق.

إنّ تضافرَ هذه التداعياتِ من شأنِه أن يُمْعِنَ في زعزعةِ الأمنِ والاستقرارِ في المنطقة، وأن يهدّدَ قدرةَ الدولِ على تحقيقِ الوعودِ التي قطعَتْها لشعوبِها في إعلانِ القاهرة، نظراً إلى غيابِ أهمِّ ركنٍ من أركانِ هذا الإعلان، وهو الإدارةُ الرشيدة.

كذلك، كيف يمكننا أن نقيّمَ أوضاعَ فئاتِ المجتمعِ المعرّضةِ للخطر، وأن نضعَ خططاً واستراتيجياتٍ تستجيبُ لاحتياجاتِهم وتستفيدُ من طاقاتهم، ونحن نفتقر إلى البياناتِ والمؤشّرات اللازمة؟

وكيف لهذه الخططِ والاستراتيجياتِ أن تكون فعالةً من دون تنسيقٍ ممنهجٍ بين المؤسسات، وفي ظلِّ تمويلٍ دوليٍ متضائل؟

 

الحضور الكريم،

جسيمةٌ هي تلك التحديات. لكن عِوضاً عن أن تُحبِطَنا، ينبغي أن تحفّزَنا لننهضَ، معاً، بمجتمعاتِنا الفتيّة الغنيةِ بشبابِها ونسائِها، وبخبراتِ  كبارِها، وتطلّعاتِ أطفالها،

ولِنتقدّمَ، معاً، بوتيرةٍ أسرع على مسارِ إعلانِ القاهرة لعام 2013، ولِنُهيِّئَ  بيئةً تمكينيةً مستدامةً تمنحُ الشبابَ والنساءَ وكبارَ السنِّ وذوي الإعاقة والمهاجرين واللاجئين فرصاً للمساهمةِ في تحقيقِ أهدافِ التنميةِ المستدامة، وفي تنميةِ المجتمعاتِ العربيةِ، من دونِ إهمالِ أحد،

ولِنَبْنِيَ مجتمعاتٍ مرنةً واقتصاداتٍ قويةً تواكبُ متطلّباتِ العصرِ وتتكيّفُ مع آثارِ تغيّرِ المناخ، ولِنعزّزَ التنسيقَ والتعاونَ في ما بينَنا لإحداثِ التغييرِ الايجاتي المنشود، لأنّها مسوؤليتُنا جميعاً.

كلُّ ذلك يُحتِّم علينا جميعاً أن نجنّد طاقاتنا، حكوماتٍ ومجتمعاً مدنياً وقطاعاً خاصاً، ومنظماتٍ دوليةً، ودولاً مانحة، ومؤسساتٍ ماليةً وتنمويةً، وإعلاماً.

لقاؤُنا اليوم دليلٌ على عزمِنا على العمل معاً، ومهمّتُنا ليست مستحيلة، وتحقيقُها واجبٌ علينا وليس خَياراً.

واجبٌ إزاءَ كلِّ فتاةٍ تسعى إلى التعلّم، وكلِّ إمرأةٍ تطالبُ بفرصٍ متساويةٍ مع الرجل، وكلِّ شابٍّ وشابةٍ يصبون إلى مهاراتٍ جديدةٍ تناسبُ فرصَ العملِ التي تتيحُها الثورةُ الصناعيةُ الرابعة والخامسة،

وكلِّ إنسانٍ يتطلّعُ إلى حياةٍ كريمة!

 

ختاماً،

التحدياتُ أمامَنا كبيرةٌ، صحيح،

لكنّ الفرصَ كثيرةٌ هي أيضاً.

بعزمِنا، وتكاتُفِ جهودِنا، والبناءِ على مكامنِ قوّتِنا، نستطيعُ أن نبنيَ مستقبلاً حيث المساواةُ والكرامةُ والعدالةُ هي حقيقة، وليست حلماً،

وحيث يمكنُنا أن نقفَ معاً لنعيد ترتيبَ أولوياتِنا المبعثرةِ وننطلقَ من جديد.

وشكراً.

arrow-up icon
تقييم