خطابات

30 أيار/مايو 2022

المنتدى العربي من أجل المساواة

 

معالي الوزراءِ المحترمين،

أصحابَ السعادة ممثلي وممثلات مجالسِ النواب والبرلمانات،

السادةَ السفراء والسفيرات في المملكة الأردنية الهاشمية،

الحضورُ الكريم، 

صباح الخير!

 

اسمحوا لي أن أشكرَ المملكةَ الأردنية الهاشمية العزيزةَ على استضافتِنا،

وأن أرحّبَ بشركائِنا في مجموعةِ باثفايندر من أجل مجتمعاتٍ سلميةٍ وعادلةٍ وشاملة.

 

واسمحوا لي أن أعودَ إلى طفولتي،

إلى ذكرياتٍ عشْتُها مع أصدقائي وأُسرتي.

أَذْكرُ أيامَ كنتُ أزورُ دكانَ الحيّ مع أخي،

ونقِفُ أمامَ البائعِ بكلِّ فخرٍ،

نسدِّدُ ثمنَ حلويات اشتريناها من مالٍ قَسَمَتْه أمي بيننا بالتساوي.

 

وأذكر أياماً قضيناها مع صديقَيْنا،

فاتن، ابنة حارس البناية، وابنه عادل.

معاً قرأنا حكاياتٍ مصوّرة،

ولعبنا كرة القدم،

وأكلنا المثلّجات،

ثم عاد كلّ منا إلى بيته منهكاً من كثرة اللعب.

 

ومرّت السنوات،

وجلست على مقاعد الدراسة.

فقرأت أنّ جميعَ الناسِ يولدون متساوين في الحقوق.

وأنّ كرامةَ الإنسانِ متأصّلةٌ فيه،

أيّاً كان لونُه، أو عِرْقُه، أو جنسُه، أو جنسيّتُه،

وأنّ الرجلَ إنسان، والمرأةَ إنسان،

وأنّ ما يَحُقّ للرجل يحقّ للمرأة،

وما تعلّمته في الكتب كان تكريساً للقيم والمبادئ التي تربّيت عليها.

 

وما إن تخرّجْتُ من الجامعة،

حتى ظننْتُ أنّ الأوانَ قد آن لأحقّقَ حُلُماً لطالما راودني،

وهو أن أشكّل فريق كرة قدم للسيدات مع صديقاتي!

وكم كانت صدمتي كبيرةً عندما قيل لنا إنّه محظور على النساء أن يلعبن كرة القدم،

لأن في ذلك انتهاكاً للأعراف والتقاليد المجتمعية.

وأمام صدمتي، نصحوني أن أكون واقعية!

تلك كانت أول معركة لي.

وربحتها،

وتمكنت مع صديقاتي من تشكيل أول فريق للاعبات كرة القدم في بلدي!

لكنها لم تكن الأخيرة.

فقد كان عليّ أن أخوض معارك كثيرة،

لأكثر من عشرين عاماً،

لأنتزع انا وزميلاتي للمرأة في بلدي حقوقها السياسية،

كالحق في التصويت،

والترشّح في الانتخابات النيابية،

وشغل المناصب الحكومية.

 

وبعد تلك الصدمة،

تتالت الصدمات.

فقد أدرَكْتُ أنّ في بلدي - وغيرِهِ من الدول – نساءً يتقاضَيْنَ أجْراً أقل من الرجال،

مقابلَ العملِ نفسِه.

وأن الفرصَ ليست متاحةً لجميع فئاتِ المجتمعِ بالتساوي.

وأنّ جميعَ الناسِ لا يولدون متساوين في الحقوق.

وأنّ كرامةَ الإنسانِ قد يحدّدُها لونُه، أو عِرْقُه، أو جنسيّتُه، أو جنسُه،

وأنّ ما يَحُقّ للرجل لا يحقّ للمرأة.

وأنّ الرعايةَ الصحيةَ حكرٌ على من يتحمّلُ كلفتَها،

وأنّ العمل اللائق طُموح يناله في الغالب  المحظيّون،

وأنّ الكثيرَ مما قرأتُهُ ليس إلا مبادئ وقيماً على ورقْ.

 

 

 

حضرة السيدات والسادة،

نلتقي اليوم، والواقعُ مرير.

فمنطقتُنا من أكثرِ مناطقِ العالمِ معاناةً من اللامساواة:

فقرٌ متزايدْ.

فجوةٌ صارخةٌ بين الفقراءِ والأغنياء.

عشرةْ في المائة فقط من السكانِ يحوزون نحو 80 في المائة من مجموعِ الثروات. 

حرمانٌ من الفرصِ يطالُ فئاتٍ اجتماعيةً بأسرِها،

في مقدّمتِها النساء، والشباب، والأشخاص ذوو الإعاقة،  والرازحون تحت النزاع والاحتلال.

بطالةٌ متفشيةٌ بين الشاباتِ والشبابِ هي الأعلى في العالمِ منذ 25 عاماً،

تبلغُ نحو 26 في المائة، وتطالُ النساءَ والأشخاصَ ذوي الإعاقةِ بشكل خاص.

تمييزٌ بين المرأةِ والرجلِ في مجالاتٍ شتّى.

جائحةٌ أمعنَت في إضعافِ شبكاتِ الأمنِ الاجتماعي،

وحرمَت الفقراءَ من مدّخراتِهم، فازدادوا فقراً،

وعزّزَت امتيازاتِ الأغنياء، فازدادوا ثراءً.

حربٌ اندلعَتْ بين أوكرانيا وروسيا،

فألقَت أعباءً إضافيةً على ميزانياتِ البلدانِ الفقيرةِ والمتوسطةِ الدخلِ في منطقتِنا،

وفاقمَت الخطرَ المحدِقَ بأمنِها الغذائيِّ والاقتصادي.

 

أصحابَ وصاحباتِ القرارِ الكرام،

 

باختصار،

أن تكون طفلاً في منطقتنا يعني أن مستقبلك مرهون بتسديد ديون قدرها 1.4 ترليون دولار.

وأن تكون شاباً يعني أن الهجرة هي الحلم والملاذ، لأن الفرص محدودة والأولويّة  لأصحاب النفوذ.

وأن تكون من ذوي الإعاقات يعني أنك لا تلقى إلا التعاطف، وتبقى غير مندمج مع المجتمع.

وأن تكون من كبار السن يعني أن تعمل طيلة حياتك من أجل شيخوخة لا تنال فيها سوى تقاعد زهيد ورعاية صحية قاصرة.

وأن تكوني امرأة، يعني أنكِ تنالين التقدير كأختٍ وبنتٍ وزوجةٍ وأم، لكن حقوقاً لكِ تبقى مسلوبة.

وأن تكون من الطبقة الوسطى، يعني أنك تعمل بجهد،  وتدفع ضرائب  أكثر من الأغنياء، وتتحمل تكلفة إصلاحات اقتصادية لسياسات يستفيد  منها الأغنياء. 

كل ذلك يدفعني إلى القول إنّ اللامساواة قنبلة موقوتة يُخشى أن تنفجر في أي لحظة،

وأن تدمّرَ النسيجِ الاجتماعيِّ،

وتقضي على ما تبقّى من تفاؤلِ الشعوبِ بأنّ التغييرَ ممكن.

ربما تتساءلون الآن: وهل الشعوب متفائلة ؟

وجوابي هو: نعم، على الرغم من كل شيء.

فقد قال لي يوماً عبد الحميد، سائق تاكسي من أحد بلداننا العربية العزيزة، ان الشعب يعاني من ضائقه ماليه خانقه ومستعد تحمل الوضع والظروف الصعبه طالما انه لن يستمر طويلا ويرى بلده في تقدم.

فهو سعيد لأنّ حكومته باشرت بتنفيذ إصلاحات جديّة لتحسين المؤسسات ومكافحة الفساد.

وإنّه سعيد، لأنه الآن أكثر تفاؤلاً وأملاً بمستقبل أطفاله. 

وقال نصفُ المجيبين على استطلاعٍ أجرَتْه الإسكوا في عشرِ دولٍ عربيةٍ قبل اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا إنّهم  متفائلون بشأن المساواةِ في المنطقة.

تفاؤلُهم هذا يعني أنّهم لا يزالون يتوقّعون من الحكومات العمل من أجلِ التغيير.

من أجلِ إتاحةِ الفرصِ لمن هم محرومون منها، ولا سيّما الشبابُ والشابات،

ومن أجل ضمانِ العدالةِ وتكافؤِ الفرص.

 

من خلال تنفيذِ الإصلاحاتِ الجذرية،

وتطبيقِ الحوكمةِ الرشيدة،

ومكافحةِ الفساد،

وإعادةِ النظرِ في قوانينِ الضرائب والمناقصاتِ والمشترياتِ العامة،

واعتمادِ سياسات اجتماعية واقتصادية متكاملة تعكس المبادئ والقيم المكرّسة في الكتب.

ختاماً،

لم يفت الأوان بعد.

لا يزال بالإمكان تفكيك تلك القنبلة الموقوتة،

وانتشال الملايين من شباك الحرمان واللامساواة،

والحؤول دون وقوع الملايين فيها.

ولا يزال بإمكاننا أن نهيّء لأطفال عبد الحميد، وجميع الأطفال في منطقتنا، مستقبلاً مليئاً بالفرص، وليس مستقبلاً مثقلاً بالديون.

وما لم نفعل ذلك،

فلن يسامحنا لا أطفالنا، ولا أحفادنا.

والأسوأ من ذلك،

هو أننا لن نسامح أنفسنا.

وشكراً.

 

arrow-up icon
تقييم