معالي السيد واعد باذيب، وزير التخطيط والتعاون الدولي في الجمهورية اليمنية ورئيس المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2023،
معالي السيد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية،
معالي السيدة أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
صباح الخير!
أرحِّبُ بكم جميعاً في بيتِ الأممِ المتحدة في بيروت،
المدينةُ الأَبِيَّةُ التي لا تزال تُشَرِّعُ لنا أبوابَها رُغم الصّعاب.
وأحيّي شركاءَنا في جامعة الدول العربية، ووكالات الأمم المتحدة، وأُثَمِّن شراكتَهم غالياً.
وأشكر الجمهوريةَ اليمنيةَ العزيزةَ على ترؤُّسِ المنتدى العربي للتنمية المستدامة لهذا العام.
الحضور الكريم،
شاهَدْنا لِلتَّوّْ قليلاً ممّا يواجه المنطقةَ العربيةَ من تحديات،
وبعضاً ممّا حقَّقَتْهُ من إنجازات،
وكثيراً ممّا تختزِنُه من طموحاتٍ وقدراتٍ وشغفٍ وعزيمةٍ،
لدى الأطفالِ والشبابِ.
وفي ضوءِ ما رأيناه، لا يسعُني إلاّ أن أقول:
من غيرِ المقبولِ أن يولَدَ الطفلُ العربيُ مَدْيوناً، وأن يَرِثَ دَيْناً بدل أن يَرِثَ مستقبلاً مشرقاً،
وأن يكون مُثقلاً بدَيْنٍ يُقدَّر بـ3500 دولار، بسببِ تراكُمِ ديونِ المنطقةِ إلى 1.5 ترليون دولار!
من غيرِ المقبول أن تُحرَم الطاقاتُ الشبابيةُ القادرةُ على الإنتاجِ من الفرص، وألاّ يُستفادَ منها، وأن تستمرَّ السياساتُ في منطقتِنا في تعزيز الاستهلاك على حسابِ الإنتاج، وتكريسِ نهجِ استنزافِ المواردِ وهدرِها عوضاً عن خلق بيئةٍ لتوليدِ الفرصِ والثروات، ليبقى حوالَيْ 30 مليون عربي عاطلاً عن العمل، وحوالَيْ 160 مليوناً في القطاعِ غيرِ النظامي دون حمايةٍ اجتماعية.
من غير المقبولِ أن تكونَ الفجوةُ بين الجنسين في منطقتِنا ثانيَ أكبرِ فجوةٍ بين الجنسين في العالم، وأن نُشيدَ بأهميةِ دورِ المرأةِ في مجتمعاتِنا، ولكن نعاملُها بتمييز على أرضِ الواقع ونحدُّ من مشاركتِها الفعليّةِ في مراكزِ صنع القرار. وإذا استمرّت الأمورُ على حالِها، سيكون علينا الانتظارُ 149 سنةً لنشهدَ تحقيقَ المساواةِ بين المرأةِ والرجلِ في منطقتِنا.
من غير المقبول أن تتغاضى السياساتُ الحكوميةُ عن اللامساواةِ الصارخةِ في المجتمع، بل أن تكرّسَ واقعاً مُجْحِفاً يُنْذِرُ بأن يصبح قنبلةً موقوتة اجتماعياً، حيث إنّ الـ10 في المائة الأغنى من السكان في المنطقة العربية يمتلكون 75 في المائة من ثرواتِها.
من غير المقبول أن تزداد الطبقةُ الوسطى، وهي عمادُ المجتمع، تقلُّصاً، وألاّ تعملَ الحكوماتُ على تعزيزِ فرصِها والنهوضِ بها. بل الأسوأُ من ذلك أنّ نحو 30 في المائة من الطبقة الوسطى أصبحت فقيرةً في بعض البلدانِ العربيةِ خلال السنوات الأخيرة.
ومن غيرِ المقبولِ أن نذهبَ إلي قمةِ أهدافِ التنميةِ المستدامةِ وهذا واقعُنا.
السيدات والسادة،
لا يمكن أن تستمرَّ الأوضاعُ والتحدّياتُ على ما هي عليه بوجودِكم وبوجود الطاقاتِ والقدراتِ والعزائمِ في مجتمعاتِنا العربيّة.
فالتغييرُ الإيجابي للإسراع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا بدَّ منه.
وهذا يُحتِّم علينا جميعاً، منظماتٍ دوليةً، وحكوماتٍ، وقطاعاً خاصاً، ومجتمعاً مدنياً، ودولاً مانحة، ومؤسساتٍ ماليةً وتنمويةً، أن نعزّز التنسيقَ والتعاونَ في ما بينَنا لإحداثِ التغييرِ المنشود، لأنّها مسوؤليتُنا جميعاً.
كذلك، آن الأوانُ لاعتمادِ نهجٍ جديدٍ يقوم على الاستفادةِ من التكنولوجيا والثورةِ الصناعيةِ الرابعةِ والخامسةِ والابتعادِ عن أنماطِ العملِ المعتاد.
وهذا ما نفعلُه في الإسكوا وهيئاتِ الأممِ المتحدةِ الشريكة.
فقد بدأْنا بالفعل بتغيير طُرقِ ونُهُجِ عملِنا،
باستخدامِ البياناتِ الضخمةِ وتمكين الذكاءِ الاصطناعي، علي سبيل المثال، لدعمِ صانعي القرار.
كما أنّنا نقيمُ شراكاتٍ مع فئاتٍ ما كانت مألوفةً من قبل،
ومنهم الأطفال،
من أجل بناءِ قادةِ المستقبل المؤمنين بأهداف التنمية المستدامة والمتسلّحين بقيمِ الأممِ المتحدةِ ومبادئِها.
كلُّ ذلك لنكون المحفِّزين لتسريعِ تحقيقِ خطة عام 2030 وأهدافها، من أجل إرساءِ الأسسِ لازدهارِ البلدان وكرامةِ الإنسان.
نعم، هذا هو شعارُ الإسكوا: ازدهارُ البلدان وكرامةُ الإنسان.
قد يظنّ البعضُ أنّ الشعاراتِ غالباً ما تكون حبراً على ورق.
وأنا أؤكّد أنّ كلَّ الإنجازاتِ تبدأ بشعارات!
ومن أقربِها إلى قلبي شعار "نِقْدَرْ".
كان هذا شعارَ حملتي الانتخابية عندما كنت من ضمنِ أوّلِ أربعِ نساءٍ فِزْنَ في الانتخاباتِ ودخَلْنَ مجلسَ الأمّة في بلدي الكويت.
كانت الظروفُ السائدةُ آنذاك تُنْذِرُ بأنَّ انتخابَ امرأةٍ للنيابةِ هو أمرٌ شبهُ مستحيل.
مع ذلك،
بفضلِ العزيمةِ والعملِ الدؤوبِ والشراكاتِ الحقيقيةِ بين الجميع،
والقناعةِ بأنّ العملَ من أجل التغييرِ الإيجابي هو حقٌّ وواجب،
قلَبْنا الموازينَ وقَدِرْنا.
واليوم، معاً، سنقلُبُ الموازين، وسنَقْدِر.
ختاماً،
لنتذكّرْ أنّنا أصبحْنا في منتصفِ الطريقِ نحو خطة عام 2030، وقمةُ أهدافِ التنمية المستدامةِ على الأبواب،
وأنَّ الوقتَ لا ينتظرُ أحداً.
فلا نَدَعْهُ يداهِمْنا.
فلنعملْ، معاً، بجهدٍ وعزيمة،
لنقُلْ لكلِّ طفلٍ عربي: سوف تَرِثُ مستقبلاً مشرقاً.
ولكلِّ شابٍ وشابة: طاقاتُكم سيُستفادُ منها لاستدامةِ نموِ اقتصاداتنا.
ولكلّ امرأةٍ عربية: إنصافُكِ أصبحَ واقعاً.
ولْنقُل للعالم: إنّ المنطقةَ العربيةَ منطقةٌ آمنةٌ، عادلةٌ، مبتكرةٌ، مزدهرةٌ، حيويّةٌ، متنوّعة، ولا يُهمَلُ فيها أحدٌ.
نعم ... لأنّنا نقدر.
وشكراً.