خطابات

28 آذار/مارس 2021

المنتدى العربي للتنميةِ المستدامة

 

معالي السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية،  

معالي الدكتور فيصل بن فاضل الإبراهيم، نائب وزير الاقتصاد والتخطيط في المملكة العربية السعودية التي تتولى، مشكورةً، رئاسة المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2021،

أصحاب المعالي والسعادة،

السيّدات والسادة،

 

يشرّفني أن أرحّبَ بكم في المنتدى العربي للتنميةِ المستدامة. ويسرُّني أن أتوجّهَ إليكم من بيروت، هذه المدينةُ التي تجسِّد بنكباتِها المتتاليةِ المنطقةَ العربيةَ بأسرها، والتي تجدّدُ بنهوضِها، مرّاتٍ ومرّات، أملَنا في نهوضِ منطقتِنا.  

كنّا سنجتمعُ قبل عام، لكنّ جائحةً قطّعت أوصالَ العالَم حالَت دون ذلك، وتمادت في إنهاكِ بلدانِنا، المنهَكةِ أصلاً.    

فقبل كوفيد-19، كانت المنطقةُ قد حقّقت بالفعل بعضَ المكاسبِ التنموية، ولكنْ تحت وطأةِ أزماتٍ متعدّدةٍ ومتقاطعة: احتلالٌ وحروبٌ وصراعاتٌ طاحنة. بطالةٌ مستشريةٌ بين الشباب والنساء هي الأعلى في العالم وتصل إلى 23 في المئة. تدهورٌ بيئي ومناخي ينذر بخطرِ شحِ المياه. عدم مساواةٍ صارخٌ في الثروةِ بين الشعوبِ العربية، حيث أعلى 10 في المئة من  السكانِ البالغين في المنطقةِ يستحوذون على 76 في المئة من الثروات. وفجوةٌ في العدالة والإنصاف بين المرأةِ والرجل.

وبعد كوفيد-19، تفاقمت تلك الأزمات، وضاعت مكاسبُ تنمويةٌ حقّقتها المنطقةُ بشِقّ الأنفس.

 

الحضور الكريم،

في ظلّ الآثارِ المدمّرةِ للجائحة، يتّضح لنا أنّ انعقادَ المنتدى في هذا الوقتِ بالذات كان ضرورةً ملحّةً لا تحتمل التأجيل. لأنّ أعباءَ المنطقةِ أثقلُ من أن يحملَها بلدٌ لوحدِه. ولأنه من واجبنا العملُ معاً، لنتعافى معاً ونتقدّمَ نحو وُجهتِنا معاً.

وجهتُنا هي مجتمعاتٌ وبلدانٌ عربيةٌ يعمّها السلمُ والعدلُ والتسامحُ  ولا تهمِل أحداً. تدعم شبابَها وشابّاتِها، وتمكّن فتياتِها ونساءَها. هي مجتمعاتٌ منتِجة تؤمّن الصحةَ والرفاهَ لسكانِها، والاستدامةَ لبيئتها وأرضها، و توفّر سُبلَ العِلم والابتكارِ لمواكبةِ الثورة الصناعية الرابعة والإمساكِ بزمام المستقبل.

وجهتُنا هي الحاضر، وهي المستقبل، القريبُ والبعيد، الذي رسمته خطة عام 2030 ونصبو جميعاً إليه.

والمنتدى العربي للتنمية المستدامة محطةٌ بارزة على طريق وُجهتِنا هذه.

محطة تجمعنا، حكوماتٍ ومنظماتٍ إقليمية ودولية وأكاديميين ومجتمعاً مدنياً وقطاعاً خاصاً ومشرّعين تحت عنوان "إسراع العمل على خطة 2030 ما بعد كوفيد"، لا لِنُسهبَ في عرض التحديات، بل لنحدّدَ مداخلَ وسبلاً واقعيةً للعمل، وإحداثِ تغييرٍ ايجابي، والمضي قدماً.

في هذه المحطةِ نتبادل التجارب. نستخلصُ الدروس، ونفكّر في الحلول، ونفعّل الكثيرَ من خرائط الطرق الإقليمية التي وضعناها بالفعل لمؤازرةِ المنطقةِ وأهلَها على مسار التنمية المستدامة.

 

الحضور الكريم،

لقد انكمش النمو في المنطقةِ العربية، وانحسرت تدفقات الاستثمار وارتفع عدد الفقراء وازداد ضيقُ الحيز المالي،  حيث إن المنطقةَ بحاجة لمزيدٍ من الحوافز المالية، قدرها 80 مليار دولار  إضافةً للحوافز الماليةِ التي قدمتها الحكومات العربية لمكافحة تداعيات الجائحة والبالغة 90 مليار دولار. وازداد عدم المساواة داخل البلد الواحد، منذراً بتهديد الاستقرار وأبسطِ حقوق الإنسان.  

وإزاء هذه التحدياتِ الوطنيةِ والإقليمية، لم تقف الإسكوا موقفَ المتفرّج.

فقد دعونا إلى إيجاد حلولٍ مبتكرةٍ لخفض ديونِ البلدان، لتعزيزِ الاستثمار في الإنسان والخدمات الاجتماعية والتصدّي للجائحة بعزمٍ وفعالية. وتجسيداً لدعوتِنا هذه، أطلقنا مبادرةً لمقايضة الديون مقابل العمل المناخي وأهداف التنمية المستدامة، بوصف ذلك وسيلةً مبتكرةً لتيسير تمويلِ العمل المناخي.

دعونا إلى تفعيل كلّ آليات التعاون بين البلدان العربية، وإلى وضع سياساتٍ عامة تؤطّر النمو الاقتصادي، وإلى اتخاذ تدابير مباشرة للحؤول دون وقوع الطبقةِ الوسطى في شباكِ الفقر. فاقترحنا تأجيلَ سداد القروضِ الفرديةِ والرهون، وإتاحةَ الإعفاءِ الضريبي للمحتاجين، وتوفيرَ الدعمِ الائتماني للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحمايةَ أجورِ العاملين فيها وأمنِهم الوظيفي والاجتماعي.

ناشدنا المجتمعَ الدولي والجهاتِ المانحةَ تكثيفَ دعمِها الفني والمادي لدول المنطقة، لاسيما  الأقل نمواً. وطالبنا الدائنين الرسميين بتجميد دفع أقساط خدمة الدين المستحَقة على البلدان المتوسطة الدخل المثقلة بالديون في المنطقة والبلدان الأقل نموًا. وأكّدنا على أهميّة الوفاء بالتعهدات السابقة بتقديم المساعدات الإنمائية، ودعونا إلى زيادة فرصِ الحصول على قروضٍ ميسّرة بهدف تحسين التمويل لأهداف التنمية المستدامة.
كذلك، نادَينا بتطوير آليات وهياكل الحوكمة لإقامة منطقةٍ، بل عالمٍ، أكثر مساواة وإنصافاً، ليس في التجارة والاقتصاد فقط، بل أيضاً في تبادل الخبرات العلمية والفنية وتوفير اللقاحات والأدوية. 

 

الحضور الكريم،

نداؤنا لن يصبح حقيقةً من دون عملٍ جماعي. من دون تضامنٍ وتكافلٍ بين الأفراد، والبلدان، والمنطقة العربية، وسائر مناطق العالم.

وقد أطلقتُ شخصياً من منبر الإسكوا نداءً لإنشاء صندوق عربي للتضامن المجتمعي، من أجل دعم البلدان العربية المعرّضة للخطر والأقل نمواً، وخدمة الفئات الأفقر. نداءٌ يردّد صدى الرسائلِ التي ما برح المنتدى العربي للتنمية المستدامة يطلقها منذ بدايته في عام 2014.  

وإنّ إيمانَنا بأهمية العمل الإقليمي الجماعي ليس حديثَ العهد، بل إنّه يوجّه عملَنا منذ ما قبل الجائحة.

فنحن ما برحنا نتعاونُ مع هيئاتِ الأمم المتحدة العاملةِ في المنطقة على إثراء بحرِ المعرفة العربي، لدعم السياسات والمبادرات على اختلافها.

ونعمل على تطوير بوابةٍ للإحصاءات الرسمية تيسّر الوصول إلى البيانات وتَداوُلِها بين الحكومات العربية ومنظمات الأمم المتحدة، وتتصل بقواعد البيانات العالمية. ونفتخر بأننا أنشأنا منصّة "منارة". بواسطتها نضع بين أيديكم منصات وأدوات تفاعلية ودراسات ومؤشرات وخبرات ودورات تعليمية باللغة العربية، لتعزيز الروابط المعرفية وطنياً وإقليمياً ودولياً، وضمان مشاركةَ الجميعِ في العمل على تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.

 

ختاماً،

أشكر لكم حضورَكم. وأتطلّعُ إلى نقاشاتٍ وأفكارٍ مبتكرةٍ تثمرُ فرقاً في حياة الإنسان العربيِّ، وفي المنطقة، وفي المستقبل، مستمدين العزيمةَ من شبابِنا، ومن الطموحِ الذي تجسّده خطة عام 2030، ومن الأملِ الذي تجدّده بلدانُنا الصامدةُ ... وبيروتُ الأبِيّة.

 

 

arrow-up icon
تقييم