خطابات

14 شباط/فبراير 2022

التعافي المستدام من جائحة كوفيد- 19 في المنطقة العربية

معالي السيد أحمد أبو الغيط، الأمينُ العام لجامعة الدول العربية،
معالي السيدة هالة السعيد، وزيرةُ التخطيط والتنمية الاقتصادية في جمهورية مصر العربية،
السيد كريستيان برغر (Burger)، رئيسُ وفدِ الاتحاد الأوروبي،
السيدة آيات سليمان، المديرةُ الإقليمية لإدارة التنمية المستدامة في مجموعة البنك الدولي،
السيدة إيلينا بانوفا (Panova)، المنسقةُ  المقيمة للأمم المتحدة في جمهوريةمصر العربية،
السيداتُ والسادة،

صباحُ الخير،
يشرّفُني أن أكونَ معكم اليوم في مقرِ جامعةِ الدولِ العربية، في هذا اللقاءِ الهامِ حول التعافي المستدامِ من جائحةِ كوفيد-19 في المنطقةِ العربية. 
فالشراكةُ بين الأممِ المتحدة، لا سيَّما الإسكوا، والجامعةِ هي ركنٌ أساسيٌ في خدمتِنا لشعوبِ هذه المنطقةِ، وفي دعمِنا لجهودِ حكوماتِها لتحقيقِ الازدهارِ، وتوفيرِ حياةٍ كريمةٍ لكلِ مواطنٍ ومواطنة.  

شراكةٌ باتت ضرورةً حتميةً لتحقيقِ التعافي في الدول العربية.
تعافٍ يكفل الحقوقَ والحريّات؛ ويضمن الاستثمارَ في الثرواتِ البشرية.
تعافٍ يهيِّئُ البيئةَ المواتيةَ للابتكار؛ ويحقّقُ نمواً اقتصادياً مستداماً، وشاملاً للجميع؛
وتعافٍ يعزّز مِنعةَ المنطقةِ تجاهَ أزماتِ المستقبل. منعةٌ لن تتحققَ طالما اللامساواةُ مستشرية.  
لامساواةٌ صارخة، تتلخّص بأرقام صادمة:

في منطقتنا دولٌ تجاوَزَ  فيها معدّلُ التلقيحِ  90 في المائة، بينما بالكادِ بلغَ هذا المعدّلُ في اليمن، الذي يعاني الكثير، 2 في المائة.
في منطقتِنا 10 في المائة فقط من السكان يملكون 81 في المائة من ثرواتِها. 
وفي منطقتِنا 55 مليونَ كادحٍ وكادحةٍ في القطاعِ غيرِ النظامي محرومون من الحمايةِ الاجتماعية، ناهيك عن العاطلين والعاطلات عن العمل؛ وكبارِ السن؛ والأشخاصِ ذوي الإعاقة.

وهنا أتساءل:
كيف لنا أن نتعافى، ونحن نواجهُ هذا الكمَّ الهائلَ من اللامساواةِ والهشاشةِ والإقصاءِ الاجتماعي؟
كيف نبني اقتصاداتٍ مستدامةً، بينما استثمارُنا قاصرٌ في ثرواتِنا البشريةِ – قصورٌ في التعليم ، وخدماتِ الصحةِ المتاحةِ للجميع، والعملِ اللائق، والحمايةِ الاجتماعية للفئاتِ الهشة؟

السيدات والسادة، 
لقد رصَدَت الإسكوا مبادراتٍ جديرةً بالثناءِ من حكوماتِ المنطقةِ في الاستجابةِ لجائحة كوفيد-19، بما في ذلك الدعمُ الماليُ لبعض الفئاتِ المعرّضةِ للخطر، من خلال المرصدِ الدولي للاستجاباتِ عبر السياساتِ الاقتصاديةِ وسياساتِ الحمايةِ الاجتماعية.

ورصدت الإسكوا جهوداً غيرَ مسبوقةٍ على مستوى التنسيقِ بين الوزاراتِ والهيئات.
جهودٌ نتطلّعُ إلى أن تترسَّخَ وتتعزّزَ على المدى المتوسط والطويل، في ظلِّ تنامي دورِ الحكوماتِ المحلية، ومنظماتِ المجتمع المدني، والقطاعِ الخاص، في تقديمِ الخدماتِ وتيسيرِها وتطويرِها خلالَ الجائحة.

الحضورُ الكريم،

لتحقيقِ التعافي، يجبُ أن نعملَ يداً بيد، وأن يكونَ عملُنا ممنهجاً. 
وهنا، اسمحوا لي أن أذكرَ ثلاثةَ مداخلَ أساسيةٍ لمسارِ التعافي المنشود. 
أولاً، الإنفاق الذكي:
رغم انشغالِنا بموضوعِ تمويلِ التنميةِ وتطويرِ آلياتِه لحشدِ المواردِ الداخليةِ والخارجية، فإنّ عنوانَ المرحلةِ القادمةِ هو الإنفاقُ الذكيُ لتحقيقِ تعافٍ مستدامٍ وسريع. 
فقد أدّت جائحةُ كوفيد-19 إلى ارتفاعِ إجمالي الدينِ العام إلى مستوى تاريخي بلغ 1.4 تريليون دولار في منطقتِنا.
والإسكوا تعملُ على دعمِ خياراتِ الموازنةِ والسياساتِ العامةِ في الدولِ العربية، من خلال مرصدِ الإنفاقِ الاجتماعي الذي طوّرَتْه للمساعدةِ في تحسينِ كفاءةِ الإنفاقِ وفعاليّتِه. 

ثانياً، الاتساق والتنسيق:
علينا النظرُ إلى مبادراتِ التصدّي لجائحة كوفيد-19 نظرةً نقدية، لنحدّدَ ما يَعِدُ منها بالتقدّم في تنفيذِ خطة عام 2030. 
ومن أهمِّ هذه المبادرات ما سجّلته دولٌ عربيةُ من ابتكاراتٍ لتحسينِ وفرةِ وجودةِ البيانات، وذلك من خلال شراكاتٍ جديدةٍ عزّزت الاستفادةَ من البيانات، الإداريةِ بشكل خاص.
في هذا الشأن، رسالةُ الإسكوا واضحة: لا يمكنُ العملُ على عدمِ إهمالِ أحدٍ دون إنتاجِ وجمعِ الإحصاءاتِ المنتظمةِ والمصنَّفة. والحقيقةُ التي عرفناها في خضمِّ كوفيد-19 هي أنّ الفئاتِ التي كانت أكثرَ ضعفاً قبل الجائحة هي الأكثر تأثّراً بتبعاتها. 
ويسرُّنا أنّ الإسكوا تعملُ الآن مع 15 دولةً عربيةً لتطويرِ منصاتٍ وطنية، بالتعاونِ مع أجهزةِ الإحصاءِ الوطنية، لتسهيلِ الوصولِ إلى بياناتِ أهدافِ التنمية المستدامة، التي يمكن الاطّلاعُ عليها من خلالِ المرصدِ العربي لأهداف التنمية المستدامة (Arab SDG Monitor).

ثالثاً، الابتكار:
تشجيعُ الابتكارِ لا يمكنُ أن يكون هدفاً مستقلاًّ.  
بل إنّه محرّكٌ للتنمية. 
وعدمُ دعمِنا للابتكارِ يُنذِر بتقويضِ قدرةِ شبابِنا على أداءِ دورٍ قياديٍ في صنعِ مستقبلٍ أكثرَ ازدهاراً وعدلاً.
ولذلك، في ضوءِ تراجعِ مرتبةِ المنطقةِ العربيةِ بحسب مؤشرِ الابتكار العالمي، يجبُ  دعم مراكز الابحاث وتطويرُ النظامِ الإيكولوجي للابتكار، من خلالِ تمكينِ الشبابِ من إنشاءِ أعمالِهم التجارية، وتطويرِ أسواقِ العمل، وتقديمِ حلولٍ مبتكرةٍ لمواجهةِ التحدياتِ المزمنة.
السيدات والسادة،
لا تعافٍ من دونِ مساواة. 
ولا مساواةَ من دونِ تحوّلٍ في أنماطِ الحوكمة. 
تحوّلٌ يقوم على المسؤوليةِ المشتركة والتضامنِ المجتمعي. 
لذلك، تحتاجُ الحكوماتُ إلى إعادةِ النظرِ في أنظمةِ الحمايةِ الاجتماعيةِ لضمانِ دمجِ الفئاتِ المهمشة، وتعزيزِ الاستدامةِ المالية، وتطويرِ البرامجِ التي تخلق فرصاً وعملاً لائقاً، ولا تكرّسُ الاعتمادَ على المساعداتِ الاجتماعيةِ والإعاناتِ المادية. أنظمةٌ تكون محفِّزاً للخروجِ من دوّامةِ الفقرِ المزمن.

ونحن نحتاج أيضاً، أكثرَ من أي وقتٍ مضى، إلى إعادةِ الربطِ بين الأغنياءِ والفقراء.
والسبيلُ إلى ذلك هو  إنشاءُ صندوقٍ وطني للتضامن المجتمعي، لخلقِ الفرصِ للفقراءِ والضعفاء والارتقاءِ بهم إلى حياةٍ كريمةٍ ومزدهرة. صندوقٌ يعزّزُ الرفاهَ المشتركَ والنموَ الضروريَيْن لبناءِ مجتمعاتٍ مستقرةٍ ومتضامنةٍ لا تهملُ أحداً على مسارِ التنمية المستدامة.
ختاماً،
علينا أن نعملَ بثباتٍ ونفعلَ المزيدَ قبل فواتِ الأوان.
فالأجيالُ القادمةُ لن تسامحَنا إذا ترَكْنا لها إرثاً من مجتمعاتٍ مجزّأةٍ، وهشّةٍ، ومهمّشة.

وشكراً.
 

arrow-up icon
تقييم