المؤتمر الوطني للسياسة الاجتماعية المتكاملة في مصر يتابع أعماله
تابع "المؤتمر الوطني للسياسة الاجتماعية المتكاملة في جمهورية مصر العربية" الذي يُعقد في فندق بيراميزا، القاهرة، أعماله في اليوم الأول حيث تمحورت الجلسة الأولى حول عناصر النجاح في التجارب العالمية في مجال إدماج السياسة الاجتماعية بالتنمية الشاملة. وقد تطرق المشاركون إلى تجارب ناجحة في مجال السياسة الاجتماعية خاضها عدد من الدول ذات الظروف التنموية المختلفة مثل كوريا الجنوبية وماليزيا.
وفي الحديث عن التجربة الكورية، تم تحديد ثلاث خصائص رئيسية للوصول إلى دولة الرفاه الاجتماعي وفق مفهوم السياسة الاجتماعية وهي تنمية دولة الرفاه وإتباع السياسة الأخلاقية الكونفوشاسية وتنمية الخدمات الاجتماعية والأسرة. وقد بدأت السياسة الاجتماعية الحديثة فى كوريا فى الستينيات من القرن الماضى بواسطة الحكومة العسكرية ولم تبدأ فقط بإصلاح السياسة الاقتصادية وإنما واكبت ذلك بإصلاح السياسة الاجتماعية. وكان هناك تركيز على عمليات التصنيع وحماية الصناعات المحلية بموازاة سياسة اجتماعية عمالية جديدة لمواجهة حالات البطالة. كما كان هناك اهتمام كبير بسياسة التدريب والتأهيل لدخول الأفراد فى أعمال جديدة. وقد تم الاهتمام بالفقراء الذين كان يتحسن دخلهم بطريقة تدريجية غير أن الأزمة الاقتصادية في العام 1997 أظهرت أوجه القصور فى النظام وقد تم بعد ذلك محاولة تلافيها عن طريق زيادة نسبة الإنفاق الحكومى على برنامج الحماية الاجتماعية من 2.1% إلى 9.77 من إجمالى الناتج المحلى.
وبالنسبة إلى تجربة ماليزيا، تبين أن صياغة السياسة الاجتماعية لا يمكن أن يكون منفصلاً عن صياغة السياسة الاقتصادية العامة. وتوجد فى ماليزيا حكومة وبرلمان وأحزاب سياسية ووسائل إعلام تلعب دوراً هاماً فى صياغة هذه السياسة. كما توجد أيضاً إدارة إتحادية ووكالات مركزية ووزارة مالية تلعب دوراً هاماً لتوفير التمويل اللازم للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ولدى ماليزيا فائض انتاجى كبير سمح بإدخال تحسينات اجتماعية كبيرة بحيث تم إدماج السياسة الاجتماعية فى السياسة الوطنية حتى أصبح هناك "خلطة مجتمعية" تستطيع تجنب أزمات اجتماعية كالتى حدثت قبل العام 1970 وتؤمن بدرجة كبيرة الاحتياجات الاجتماعية للأسرة.
ثم تطرق المشاركون إلى موضوع رسم ووضع السياسة الاجتماعية فى مصر فى ضوء التجارب العالمية حيث تبين أن هنالك اتجاهاً ضيقاً فى تعريف السياسة الاجتماعية مقتصراً على معالجة الفئات المهمشة فى المجتمع كالفقراء والمعوقين والمرأة. ويواجه صانع السياسة الاجتماعية مشكلة فى الوقت الحاضر بسبب العولمة حيث لا تحتكر الدولة وحدها عملية صنع السياسة الاجتماعية بل هناك أطرافاً خارجية تشارك فى صنع هذه السياسة ومن أهمها المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة والبنك الدولى. وبالرغم من كثرة الحديث عن الديمقراطية إلا أن الأخذ بالسياسة الاقتصادية الليبرالية يستبعد تماماً دور المواطنين والمجالس النيابية مما لا يسمح بنجاح هذه السياسة على المدى البعيد. وقد تم التأكيد على ضرورة تبني الدولة لما يسمى بالرؤية الاستراتيجية التى تعتمد على مفهوم التخطيط والتنسيق بين الوزارات المختلفة التى تقوم بصنع السياسات الكلية مع ضرورة المشاركة الشعبية.
بعد ذلك، تناول المشاركون مراجعة نقدية للتجارب الناجحة في مجال السياسة الاجتماعية المتكاملة في كل من كوريا الجنوبية وتونس وماليزيا والنرويج وكندا حيث تم شرح العوامل المساعدة التى استفادت منها تلك الدول لتحقيق نجاحاتها وأهمها ووجود رؤية والتزام سياسى لدى القيمين على السياسات الاجتماعية لتحقيق الرفاه الاجتماعي للدولة. وأكثر ما يميز هذه التجارب هو الإصلاح التدريجى مع تكامل السياسة الاقتصادية والاجتماعية بشكل متناغم وذلك بالرغم من الاختلافات النوعية فيما بينها فى الأساليب المتبعة.
وفي الجلسة الثانية حول واقع السياسة الاجتماعية في مصر، ناقش المشاركون وضع هذه السياسة والآفاق المستقبلية لتطويرها. وقد تضمن ذلك رصد وتحليل وتقييم مسارات السياسة الاجتماعية في مصر خلال ربع القرن الأخير بهدف رصد الإنجازات وتفسيرها؛ وتحديد الفجوات ودواعي وجودها سواء كان هذا الوجود يرتبط بعوامل تاريخية تراكمت مع الزمن أو كان لعوامل مستجدة ارتبطت بالتغييرات المتسارعة على الصعيد الاقتصادي. ثم تطرقوا إلى السياسة الصحية من خلال رؤية تحليلية نقدية تضمنت حلولاً شاملة مقترحة. وقد تم التوضيح بأن المعالجة التحسينية لنواقص النظام الصحى فى مصر وعددها 70 تقريباً تحتاج إلى بناء هذا النظام وتحديد الاختصاصات مع مراعاة الجودة والتنمية البشرية. كما تم التأكيد على ضرورة الاتفاق على أن النظام يعتمد على سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء وأيضاً بين العرض والطلب. وقد تناول المشاركون أيضاً دور التعليم فى تحقيق التضامن الاجتماعى مع التركيز على دروس مستفادة من تجارب الدول العربية. وتم التشديد على أن التعليم يلعب دوراً هاماً فى تحقيق التكامل الاجتماعى عن طريق دفع عجلة النمو الاقتصادى، وتحسين توزيع الدخل، وتقليل الفقر، وتحسين نوعية الحياة للأفراد، وتعميق فكرة المواطنة. كما تم التشديد على أن الاستثمار فى التعليم قد قلل نسبة الأمية فى المجتمع والفجوة بين الذكور والأناث وأدى إلى انخفاض فى معدل الإنجاب وتزايد فى متوسط عمر الفرد، إلا أن عائده كان ضعيفاً فيما يتعلق بالنمو الاقتصادى وتحسين توزيع الدخل والحد من الفقر وعدم انخفاض معدلات البطالة بدرجة كافية. كما تحدث المشاركون عن المرصد المصري للتعليم والتدريب والتوظيف الذي يهدف إلى تنمية قدرة الدولة على رصد وإتاحة المعلومات المتعلقة بسوق العمل، ومساعدة صانع القرار فى رسم السياسات الخاصة بعمليات التدريب والتعليم والتوظيف.
وقد تمحورت الجلسة الثالثة حول استراتيجيات الحد من الفقر حيث ناقش المشاركون موضوع إدارة المخاطر الاجتماعية واعتبروا أن استراتيجيات هذه الإدارة تختلف من مجتمع إلى آخر حسب الأصول الموجودة فى هذا المجتمع والمخاطر التى يتعرض لها والظروف الاقتصادية والاجتماعية التى يمر بها. كما تم التأكيد على ضرورة وجود استراتيجيات وقائية واستراتيجيات لتخفيف الفقر والتعايش معه مع الأخذ فى الاعتبار الترتيبات الحكومية كالتأمين الاجتماعى. ثم تناول المشاركون مشروع استهداف الفئات الأولى بالرعاية حيث أشير إلى ضرورة وضع سياسة اجتماعية متكاملة وإلى أن محاولة القضاء على الفقر لم تعد مجرد رفاهية بالنسبة للمجتمعات العربية. وتم التأكيد على أن المواطن لم يعد حبيساً لما تبثه الدولة من إعلام أو سياسات، وبالتالى زا