قالت اليوم الدكتورة ريما خلف وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا: "لو غاب كلوفيس مقصود والدنيا بخير، لبقي غيابه موجعاً لكل كريم، فكيف وهو يغيب في هذا الزمان. لقد غاب ونحن في أشد الحاجة إليه وإلى ما يمثله".
كلام خلف جاء في تصريحٍ أدلت به إلى وحدة الإتصال والإعلام في الإسكوا حول رحيل مقصود. وفي ما يلي نص التصريح كاملاً:
"لو غاب كلوفيس مقصود والدنيا بخير، لبقي غيابه موجعاً لكل كريم، فكيف وهو يغيب في هذا الزمان. لقد غاب ونحن في أشد الحاجة إليه وإلى ما يمثله. لقد كان كلوفيس مقصود مثلاً أعلى لما يجب أن يكون عليه العربي، حليفاً لكل كرم، نقيضاً لكل شر، كان حليفاً لكل حركة تحرر، لكل ثورة تطالب بحقوق الناس، أفراداً وجماعات، واهباً عمره للحق العربي والقضية الفلسطينية، كان نقيضاً للطائفية، والاستبداد والاستعمار والتبعية. وكان انحيازه للنبل في الحياة العامة، رديفاً لنبله الشخصي ورقته الجمة وحلمه المطلق. كان أستاذاً يتعلم من طلابه بقدر ما يعلمهم. وفي الوقت الذي أسس فيه بعض الساسة سلطتهم على الخوف، كان لكلوفيس مقصود محبون يرون له عليهم حق الشيخ على المريد، وولاية المحبوب على المحب.
كان من أوفى الناس ذمة، وأوسعهم صدراً، وأكرمهم يداً، وأسمحهم وجهاً، وأعلاهم جبيناً. كان يحفظ من قصص الحاكمين في المشارق والمغارب ما يعرف به أقدارهم، كبيرها وصغيرها، فلا يخاف من ظالم، ولا يستخف بظلم. طالت معرفته بالألم، الشخصي والعام، لكنه رفض التعود عليه، وبقي يعيشه بكل حواسه، ويستنهض لمقاومته كل طاقاته، فلم يثلم الألم حدّه بل زاده رَهَفاً وصلابة، ولم يرهقه بل قواه، فمن وردة بقي يضعها كل عام على مثوى زوجته، يقاوم بها ألم الفقد، إلى كلمة حق يقولها في وجه الظالم كائناً من كان يقاوم بها كل قبيح مستقوٍ في هذه الدنيا. وكان وهو يتوكأ على تسعين عاماً من العمر وعكاز قصير، أعلى قامة من كثيرين ذوي رتب وألقاب.
كانت بلاغته مرآة لبلاغة الحق العربي، وكان من اللبنانيين الذي وهبوا أعمارهم لفلسطين، وكان يراها قبلة كل عمل عربي شريف، ويرى التفريط فيها تفريطاَ في المسعى العربي العام كله.
كلوفيس مقصود، الذي عرف نهرو وعبد الناصر، وعرفه ملوك العرب ورؤساؤهم وأمراؤهم، عاش تسعين عاماً ويده هي العليا، زاهداً في السلطة والمال. وقد انتقل إلى دار أرحم وأرحب من هذه الدار وحيداً وفي الغربة، فلم ينج أحد من محبيه من الإحساس بشيء من الذنب. كيف تركناه وحده، وكيف تركت هذه الأمةُ المعانيَ التي كان كلوفيس مقصود يمثلها، وحدها.
لم نستطع أن نحمي مقصود من الغربة، فلنحم إذن قصده ومراده، فلقد كان عمرُه كله وصيةً للناس أن يتجمعوا، وأن لا يفرطوا في حقوقهم، وأن يكونوا كرماء مثله.