بيروت، 16 حزيران/يونيه 2010 (الدائرة الإعلامية في الإسكوا)-- لا تأخذ التربة والمياه كأمر مفروغ منه! هذه هي الرسالة التي تحاول الأمم المتحدة نقلها إلى العالم كل عام بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، والذي اتّخذ كشعار له هذا العام "الاهتمام بالتربة أينما كانت يحسن الحياة حيثما وجدت"، تماشياً مع موضوع السنة الدولية للتنوع البيولوجي لعام 2010. وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم في عام 1995 عندما أعلنت الأمم المتحدة 17 حزيران/يونيو يوماً عالمياً لمكافحة التصحر والجفاف، من أجل رفع مستوى الوعي العام حول اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والتي تمّ الاتفاق عليها عام 1994.
اليوم، وبعد خمسة عشر عاما من إطلاق الاتفاقية، تتّخذ هذه الرسالة أهمّية كبرى، لاسيّما في منطقة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) والمنطقة العربية حيث تشكّل القضايا المتعلقة بالأرض مصدر قلق كبير، إذ أنّ 15 في المائة فقط من إجمالي مساحة الأراضي العربية هي مناسبة للأغراض الزراعية، ولا تستخدم الدول العربية سوى 5 في المائة فقط من أراضيها لإنتاج المحاصيل. وتتوزّع الأراضي المنتجة للمحاصيل بشكل غير متكافئ بين الدول العربية، حيث تشكّل نحو 60 في المائة في فلسطين و30 في المائة في لبنان والجمهورية العربية السورية لتصل إلى أدنى مستوياتها في بلدان مثل مصر وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، حيث تشكّل أقلّ من 3 في المائة.
وتصنّف نحو 90 في المائة من أراضي المنطقة بأنّها قاحلة أو شديدة القحل وتعتبر بالتالي أراض صحراوية، بينما تصنف النسبة المتبقية، أي 10 في المائة، كأراض جافة، وتخضع أكثر من 70 في المائة منها لشكل من أشكال التدهور. وحيث يشار إلى تدهور الأراضي الجافة بالتصحر، يتجلّى لنا حجم التحدّي الذي تشكّله قضايا التصحر وتدهور الأراضي للمنطقة. ومن بين العوامل المتسببة في تفاقم عملية تدهور الأراضي الإدارة السيئة للموارد المائية، الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، الممارسات الزراعية غير الملائمة، تدمير الغطاء النباتي، بالإضافة إلى الآثار السلبية لتغير المناخ.
وكما تبيّن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، هناك علاقة وثيقة بين سبل العيش ونوعية الأنظمة الإيكولوجية والتربة ومدى غناها في التنوع البيولوجي. فالتربة الصحية تنتج الحياة، إلا أنّ صحة التربة تعتمد كثيراً على كيفية استخدام الأفراد لأراضيهم. ما نفعله بتربتنا يحدد نوعية وكمية الطعام الذي نأكله، والخدمات التي يمكن أن تقدّمها لنا الأنظمة الإيكولوجية. إن زيادة الترابط الإيكولوجي هذا يؤكّد على أن "الاهتمام بالتربة أينما كانت يحسن الحياة حيثما وجدت".
اتخذت الإسكوا عدداً من المبادرات على المستويين الوطني والإقليمي لزيادة الوعي والترويج لمكافحة التصحر الذي يكاد يهدد استدامة سبل العيش والأمن الغذائي في المنطقة، مضيفاً المزيد من الضغوط على مدننا من جراء النزوح المتزايد من المناطق الريفية باتجاه المدن المكتظة أساساً بالسكان. في هذا الإطار، نظمت الإسكوا خلال عام 2009 اجتماعي فرق خبراء، الأول حول الإدارة المستدامة للأراضي باعتبارها أفضل الممارسات لتعزيز التنمية الريفية، والثاني بشأن اعتماد نهج السبل المستدامة لكسب العيش لتعزيز التنمية الريفية في منطقة الإسكوا. حيث خرج هذين الاجتماعين بتوصيات محددة فيما يخص التأكيد على تطبيق الإدارة المستدامة للأراضي واعتماد نهج السبل المستدامة لكسب العيش، استهدفت بشكل خاص أصحاب القرار في القضايا المتعلقة بالزراعة والبيئة وموارد المياه. وتعمل الإسكوا حالياً على تنسيق الموقف العربي تحضيراً للمشاركة في مؤتمر ريو +20 الذي سوف يركز، من بين أمور أخرى، على قضايا الاقتصاد الأخضر، والقضاء على الفقر، والإطار المؤسسي للتنمية المستدامة.
وتضطلع الإسكوا بدور استشاري، حيث تعمل بشكل وثيق مع شركائها على المستويين الوطني والإقليمي لتوحيد الموقف بالنسبة لقضايا مواجهة تحديات التصحر والجفاف وتغير المناخ وانعكاساتها على جوانب الحياة المختلفة في المنطقة العربية.
في اليوم العالمي لمكافحة التصحر، الدعوة موجهة لنا جميعاً، كل من خلال موقعه، مؤسسات عامة وخاصة، وسائل إعلام، منظمات غير حكومية، وأفراد، لتجديد التزامنا بإدارة مستدامة للموارد الطبيعية المحدودة والهشة في منطقتنا العربية، لصالح هذا الجيل والأجيال المقبلة، فالمسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً لجعل هذا العالم مكانا أفضل!