استضافت
الجمهوريّة التونسيّة من 17 إلى 18 أيلول/سبتمبر 2014 الدورة الوزارية
الـ28 للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعيّة لغربي آسيا (الإسكوا)
شارك فيها مسؤولون حكوميّون من البلدان الأعضاء للجنة على المستوى الوزاري.
كما شارك فيها ممثلون عن منظمات إقليمية ودولية عريقة وممثلون عن منظمات
المجتمع المدني المعنيّة وشخصيات متخصصة إقليميّة ودوليّ’ من أصحاب الخبرات
العالية. وكانت الدورة مناسبة لتسليط الضوء على أهمية التعاون العربي في بناء نماذج إنمائية جديدة تستجيب لمطالب الشعوب العربية بالعدالة الاجتماعية، والإنصاف.
إعلان تونس
الإنجاز الأهم الذي خرجت به الدورة كان "إعلان تونس بشأن العدالة الاجتماعية في المنطقة العربية" بالإضافة إلى قرارات لافتة في إطار برنامج عمل الإسكوا. وقد أكّد ممثلو البلدان الأعضاء في "إعلان تونس" على التزامهم بالعدالة الاجتماعية
كقيمة جوهرية في الثقافة العربية والإسلامية، وركناً أساسياً لبناء
مجتمعات آمنة ومتلاحمة ومزدهرة. كما أكّدوا على السعي للعمل على تحقيق
المساواة والإنصاف في بلدانهم، وعلى مكافحة الفقر، وتحقيق استدامة التنمية،
وبناء الشراكات من أجل التنمية، وهي مبادئ كرستها الصكوك والمواثيق
الدولية. وأكّد المشاركون على مجابهة تهديدات المساس بالتلاحم الاجتماعي
وتحديات ندرة المياه وشحها، وانعدام الأمن المائي والغذائي، والتلوّث
البيئي وتغيّر المناخ، وتراكم الديون على الدول العربية الفقيرة، وهي عوامل
تعوق الجهود المبذولة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
وفي
موقفٍ لافتٍ، أدان ممثلو البلدان الأعضاء في "إعلان تونس" بشدّة
الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المدنيين الفلسطينيين وعلى البنية
التحتية، وآخرها الهجوم على غزة في تموز/يوليو وآب/أغسطس 2014. وأقرّوا
بأن الاحتلال الإسرائيلي وما يعتمده من سياسات وممارسات التمييز والفصل
العنصري والاستمرار في سياسات الاستيطان وتهويد القدس الشرقية، هو انتهاك
صارخ لحقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ولحقوق السوريين في الجولان
المحتل.
واستنكر
المشاركون تصاعد النداءات العنصرية الداعية إلى إحياء مفهوم النقاء الديني
للدول، ولا سيما من الحكومة الإسرائيلية والجماعات المتطرفة الطارئة على
المنطقة، الذي يشكّل انتهاكاً جسيماً لأبسط حقوق الإنسان في المساواة
والتحرر والعيش في منأى عن التمييز.
وأدان
المشاركون موجات الإرهاب الشرسة التي تتعرض لها مجتمعاتهم فتقوّض فرصها في
تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية بما تمثله من تهديد لمواردها
ومقدّراتها، وتبديد لمكتسباتها التنموية التي أنجزتها شعوب وحكومات المنطقة
على مدار عقود متتالية.
وأكّد
المشاركون على التزام الدول العربية بتنمية الشباب، وذوي الاحتياجات
الخاصة، وعلى ضرورة تخطي العقبات القائمة أمام تمكينهم على الصعيدين
الاقتصادي والاجتماعي. كما أكّدوا
على أهمية الاستفادة من طاقات المسنين وإفساح المجال أمامهم للمساهمة في
عملية التنمية، وعلى السعي إلى اتخاذ التدابير اللازمة للحد من البطالة دون
تمييز، لاستحداث فرص العمل؛ وتنمية قطاعات الإنتاج؛ وتحقيق المواءمة ما
بين برامج التعليم وسوق العمل؛ وتحسين أنظمة الحوكمة الاقتصادية.
أما
بالنسبة للمرأة، فأكّد المشاركون على ضرورة اعتماد سياسات، ووضع آليات
لمقاومة العنف ضد المرأة، واتخاذ تدابير لدعم مشاركتها بالفعالية المطلوبة
في اتخاذ القرار وعلى العمل على وضع استراتيجيات لتوسيع نطاق الحماية
الاجتماعية دون إقصاء أو تمييز، لتلبية متطلبات مختلف الفئات السكانية. كما
أكّدوا العزم على تعزيز حس المواطنة المسؤولة والحرص على مشاركة المواطنين
في اتخاذ القرار.
وقد
طلب المشاركون إلى الأمانة التنفيذية دمج موضوع العدالة الاجتماعية بجميع
أبعاده في الإعداد لخطة التنمية لما بعد عام 2015، وأهداف التنمية
المستدامة، وبلورة آليات واضحة للتنفيذ والرصد تضمن تحقيق هذه الأهداف على
المستوى الوطني والإقليمي والعالمي، وفقاً للإمكانات المتاحة لكل دولة عضو.
كما
طلبوا إلى الأمانة التنفيذية تقديم الخدمات الاستشارية والدعم الفني إلى
الدول الأعضاء في وضع سياسات ناجعة لتعزيز التلاحم الاجتماعي، والتصدي
لتحديات تنمية الشباب والمرأة، ودعم تمكين المرأة والشباب من المشاركة في
صنع القرارات.
وفي ما يخص فلسطين،
طلب المشاركون إلى الأمانة التنفيذية رصد واقع الاحتلال الإسرائيلي
لفلسطين، وتتبّع تداعياته على ضوء التطورات الإقليمية والدولية، وتحليل
آثاره المعوّقة لتحقيق العدالة، بجميع أبعادها في فلسطين وفي المنطقة
بأسرها، لمساندة الجهود الحقوقية والقانونية لإدانة الاحتلال الإسرائيلي
ودعم جهود الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه.
كما
طلبوا بلورة أداة لرصد التقدم نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في المنطقة
العربية وقياسه، وبناء قدرات الدول والأجهزة الإحصائية الوطنية على جمع
المؤشرات الموحدة، وتكوينها، وتحليلها، ونشرها.
وقد
جاء "إعلان تونس" خلاصة لأعمال حلقات الحوار المفتوحة التي تميّزت بها
الدورة الـ28 للإسكوا. وقد شارك فيها شخصيات وزارية وفكريّة بارزة من
المنطقة والعالم وناقشوا مواضيع العدالة الاجتماعية؛ والنهج الإنمائي
الجديد؛ والسياسات الاقتصادية الداعمة للعدالة الاجتماعية؛ والعدالة
العابرة للأجيال والنفاذ إلى الموارد الطبيعيّة؛ والعدالة الاجتماعية-
المتابعة والقياس. والهدف من هذه الحلقات كان تحفيز حوارٍ إقليمي حول
كيفيّة تعميم مبادئ العدالة الاجتماعيّة في الخطط والسياسات والاستراتيجيات
الإنمائية الوطنيّة، وإلى بناء توافق إقليمي لدفع الجهود الوطنيّة في هذا
المجال.
قرارات وتوصيات لافتة
وكانت
الدورة قد بدأت اجتماعاتها على مستوى كبار المسؤولين من 15 إلى 16
أيلول/سبتمبر 2014 واتخذت قرارات لافتة تهمّ المنطقة العربية وذلك في إطار
برامج عمل الإسكوا. فقد أوصى المشاركون بإعداد تقرير حول مقترح إنشاء بنك
عربي للتنمية وإعادة الإعمار وتقديمه إلى قمة قادة العرب في تونس في عام
2015. كما أوصوا بتكوين رؤية موحدة للمنطقة العربية بالتنسيق مع جامعة
الدول العربية في إعداد خطة التنمية لما بعد عام 2015، كما أكدوا على أهمية
آليات التنسيق لتجنب الازدواجية والتشعب في التقارير والمبادرات.
وأوصى
المشاركون بإجراء دراسة بالتنسيق بين الإسكوا وجامعة الدول العربية لقياس
وضع المنطقة العربية من حيث ما تحقق من الأهداف الإنمائية للألفية وما لم
يتحقق منها، وإمكانية استكمال هذه الأهداف في الإطار الإنمائي الجديد،
ودراسة العقبات والتحديات حتى تأتي الأهداف على مستوى المتطلبات. كما أوصوا
بإدراج دراسة الآثار الاجتماعية والتداعيات المالية والاقتصادية للإرهاب
على المنطقة، لا سيما في ضوء الإقرار الإقليمي والاعتراف الدولي بمخاطر
ظاهرة الإرهاب على التنمية المستدامة في المنطقة العربية.
ووافق المشاركون على إنشاء مركز للتكامل الإقليمي العربي مع التأكيد على أهمية التنسيق والتعاون التام مع جامعة الدول العربية.
وفي
خطوة تاريخية جاءت في ضوء انضمام المزيد من البلدان العربية إلى الإسكوا
والإنجازات التي حصلت منذ عام 2011، أكّد المشاركون على وجوب تغيير مسمى
اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا بحيث تصبح اللجنة الاقتصادية
والاجتماعية للدول العربية، والطلب من الأمانة التنفيذية تنفيذ هذا القرار.
على هامش الحدث: الذكرى الـ40 لولادة الإسكوا ومحطات أخرى
الدورة
الـ28 للإسكوا كانت محطة هامة للاحتفال بالذكرى الـ40 لولادة اللجنة حيث
شاهد الحضور في الجلسة الافتتاحية للاجتماعات الوزارية فيلماً وثائقياً
ألقى الضوء على أهم الانجازات التي قامت بها الإسكوا منذ انطلاقتها أهمها
خط الطريق باتجاه التنمية العربية الشاملة. كما ألقى الضوء على تنوّع
الجنسيات العربيّة والدوليّة التي تضمّها الإسكوا في إطار طاقم عملها ونظرة
هذا الكمّ من الموظفين الوطنيين والعرب والدوليين إلى إيجابيات المنطقة
وجهودهم الحثيثة القائمة لتلبية تطلّعات شعوبها.
وعلى
هامش الدورة ناقش وزراء ومسؤولون حكوميّون رفيعو المستوى تقريراً أعدّته
الإسكوا يحلّل وضع الطبقة الوسطى في العالم العربي، على أن يطلق التقرير
رسمياً في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام. وهذا التقرير هو الأوّل
من نوعه الذي يتناول بحوثاً اجتماعيّة واقتصاديّة معمّقة وتحليلاّ واسع
النطاق لبيانات من مختلف أنحاء المنطقة.
ويبرز
التقرير أن حجم الطبقة الوسطى في الدول العربيّة كبير ديموغرافياً، وهذه
الطبقة هي مكوّن أساسي في السياسة، ودورها لا يزال غير واضح على الصعيد
الاقتصادي. كما يطرح حالات الإحباط لدى الطبقة الوسطى في العالم العربي
جرّاء تنامي عدم المساواة والنقص في التمثيل السياسي، ويدعو صراحةً إلى
تشكيل تحالفٍ ديمقراطي واسع من أجل تحقيق العدالة الاجتماعيّة وإنشاء عقد
اجتماعي جديد. وعلى الرغم من أن وجود طبقة وسطى ممثّلة بشكل صحيح وتمكينها
يشكّلان العمود الفقري لدولة ذات توجّهات إنمائيّة تأخذ البُعد الاجتماعي
بعين الاعتبار، إلاّ أن الصراعات الأخيرة وعدم الاستقرار في المنطقة قلّصت
بشكلٍ كبير من صفوف الطبقة الوسطى.
ويحمل
التقرير نظرة متفائلة في مجموعة التوصيات التي يقدّمها والمتعلّقة
بالسياسات العامة لحماية الطبقة الوسطى من الوقوع في براثن الفقر، وفي
تعزيز قدرة الطبقات الفقيرة لتنضمّ إلى الطبقة الوسطى من خلال إصلاحٍ في
الماليّة والميزانيّة، وخلق وظائف لائقة ودعم الحماية الاجتماعيّة.
وقد
شهدت الدورة أيضاً محطة هامة أخرى هي توقيع اتفاق إطاري للتعاون بين حكومة
الجمهورية التونسية والإسكوا وذلك تحت عنوان "نحو تنمية اقتصاديّة شاملة
في تونس".
ويشمل
الاتفاق إعداد خارطة للاستثمار في تونس مع التركيز على المناطق الأقل نموا
وإعداد دراسة حول "النمو والتشغيل في تونس" تتضمن توصيات بشأن السياسات
الاقتصادية اللازمة لمساندة تونس في المرحلة الانتقالية ودعم الحكومة
التونسية بهدف إعداد المخطط المقبل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية مع
التركيز على: أولا، بناء القدرات الإدارية والتحليلية في مجال التخطيط
اللامركزي؛ ثانيا، استخدام نموذج التوازن العام القابل للحوسبة(CGE)
والنماذج والأدوات الكمية في مجال التخطيط؛ ثالثا، بناء القدرات في مجال
التخطيط على المدى القصير وتحليل الاقتصاد الكلي؛ ورابعا، تطوير أدوات
للمتابعة والتقييم ومؤشرات لقياس التقدم المحرز لبلوغ أهداف التنمية.
ويشمل
دعم الحكومة في تقييم آثار مزيد من تحرير التجارة في مجالي الفلاحة والصيد
البحري على الاقتصاد التونسي، وذلك في إطار المفاوضات المقبلة مع الاتحاد
الأوروبي بشأن اتفاق التبادل الحر المعمق والشامل؛ وتعزيز قدرات كتابة
الدولة للتنمية والتعاون الدولي في مجالات الإحصاء.
خطة التنمية لما بعد 2015
وتزامناً
مع الدورة الوزارية الـ28، عقدت الإسكوا أيضاً في تونس الاجتماع التشاوري
العربي حول إطار المتابعة لخطة التنمية لما بعد عام 2015 يومي 15-16
أيلول/سبتمبر بهدف استطلاع وجهات النظر والمقترحات الإقليمية لمجموعة كبيرة
من الجهات المعنية في المنطقة العربية، بما فيها الدول الأعضاء في
الإسكوا، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمنظمات الإقليمية، حول عناصر
إطار المتابعة لخطة التنمية لما بعد عام 2015. وبحث المشاركون في إمكانية وضع إطار إقليمي للمتابعة، ينطلق من المستوى الوطني ويُستفاد من عناصره على المستوى العالمي.
وصدر عن الاجتماع ملخص تسترشد به المداولات الحكومية الدولية الجارية حول خطة التنمية لما بعد عام 2015. وسيحال
هذا الملخص إلى الأمين العام للأمم المتحدة قبل منتصف شهر تشرين
الأول/أكتوبر 2014 ليشكل مساهمة في التقرير التجميعي للأمين العام.