بيانات صحفية

6 آذار/مارس 2014

بيروت

التكامل في الثقافة والفنون: وسيلة أو لغة أو رسالة
الموسيقى والشعر والرواية مساحة لقاء لبناء هوية وطنية
وتكوين الوجدان العربي الواحد

في 25 شباط/فبراير 2014، أطلقت الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا من تونس تقريراً لافتاً تحت عنوان "التكامل العربية: سبيلاً لنهضة إنسانية" بمشاركة فخامة رئيس الجمهورية التونسية محمد المنصف المرزوقي ورئيس الوزارء اللبناني السابق نجيب ميقاتي وبحضور جمع من القيادات السياسية والاقتصادية والفكرية والشخصيات العامة. وللمناسبة، وُزّع على الحضور وعلى مندوبي وسائل الإعلام الذين شاركوا في مراسم إطلاق التقرير ملف إعلامي نعيد نشر مضمونه على خمس مراحل وذلك لأهمية المواضيع التي يتطرق إليها التقرير. بيروت، 6 آذار/مارس 2014 (وحدة الاتصال والإعلام)— "في التكامل الثقافي العربي شواهد من الواقع تفوق ما بلغته توجهات السياسات المعتمدة، وتصلح لها دليلاً لتصويب مسارها من التفتيت إلى بناء هوية واحدة تطلّ بها المنطقة على المستقبل من موقع قوي يمدّها بمقوّمات حياة لائقة ومنيعة". في هذه الصورة المعبّرة يظهر دور البعد الثقافي والفني في تقرير "التكامل العربي: سبيلاً لنهضة إنسانية" . والشعوب العربية، كما يؤكد التقرير، بل الواقع، فتحت بالإبداع الثقافي والفني طريقاً للقاء بعيداً عن القنوات الرسمية، فكانت وحدة الثقافة واللغة في كل مرة مقوماً أساسياً يمكن الارتكاز عليه في مشروع للتكامل العربي سكن الوجدان طويلاً، قبل أن تتبناه السياسة. وما يجدر التوقف عنده أن التقرير لم يغفل دور الثقافة في مشروع "التكامل" الذي كثيراً ما اعتبُر قصراً على السياسة والاقتصاد، ورأى في "التكامل الثقافي رافداً أساسياً للتكامل الشامل". ودعماً لهذه الفكرة، تناول التقرير دور أدوات الإبداع، من كلمة وموسيقى ولون، في كلّ ما يكوّن المجتمع الإنساني؛ دور يسبق السياسة أحياناً، ويمهد لها طريق التغير، بل يفتح آفاقاً جديدة إلى المستقبل عندما يتعثر الواقع أو يضل الطريق. رسالة واضحة وقوية يحملها التقرير ودعوة في آن. رسالة تؤكد دور "الفكر الإنساني في الوصل بين أفراد الجماعة متجاوزاً حدود المكان والزمان في توق إلى التحرر". وفي كلّ مرة ساهمت السياسات الثقافية والتربوية الرسمية في تقسيم المكان والزمان العربي، عاد الفن والأدب ليوقظ هذا الإحساس بالطموح ويمحو الحدود القسرية، متخذاً من الأشياء المادية وسيلة ورافداً، ومن البنى الرمزية بعداً وجذوراً، ومن ثمّ غاية لتواصل تلقائي في فضاء يملك "جميع مقوّمات التكامل"، وينقصه الاستعداد لجني ثماره. وإذ يشير التقرير إلى محاولات طمس الإبداع ومعالم الهوية الجامعة بإضفاء "الشرعية مرة على قُطرية الدولة بنزع الشرعية عن تراث تُنسب إليه، ومرة على تعصّب وتطرف دخيل على تقاليد وقيم أكثر انفتاحاً"، يصمد الإبداع الأدبي والفني في كل مرة. يعيد بكلمات وأنغام ورسوم وصور إحياء حلم الإنسان العربي في الخروج من مسار "التعثر والقهر والاستبداد" إلى "مسار التحرر والنهضة" بألوان جديدة، وكلمّا ابتعد عن الواقع، يقترب من الواقع أكثر. ولا يُغفل التقرير دور الرقابة الرسمية في وزارات الثقافة والإعلام كما الرقابة المجتمعية، في تشكيل عازل معنوي وعقلي، يحوّل المثقف إلى موظف خاضع للإيديولوجيا الواحدة. كما أن تنامي الميول التعصبية في فترات التأزم السياسي والثقافي إنما يساهم في ظهور نزعات إقصائية أو إلغائية تتغلغل في الأوساط الشعبية منها وتقدم نفسها "تعبيراً أصيلاً عن ثقافة المجتمع العربي رغم تناقضها أحياناً مع العادات والتقاليد التي تكون غالباً أكثر انفتاحاً". وحتى في حقبات الظلمة العابرة، يرى التقرير "في ألق الثقافة" إحياءً للمجتمع واقتصاده وسياسته وإنارة لمستقبله. وسواء أكان في الشعر أم الرواية أم في الموسيقى أم الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، كوّنت الإشكاليات السياسية والاجتماعية العربية المشتركة نواة لنتاج "تُبنى عليه هوية وطنية تجمع أفراداً من جذور مختلفة، ويتكوّن به الوجدان العربي". ويستشهد التقرير بشعراء عرب جعلوا للشعر مكانة في كل عصر في أعلى فنون اللغة العربية. فشكّل الشعر، حتى في أشد الحقب ظلمة، مساحة للتعبير عن الذات القومية والتجديد والتحديث، وفتح طريق الأمة مراراً للنهوض من الانحطاط والتحرر من ثقل التقاليد. كما استعرض التقرير أسماءً في أدب الرواية متوقفاً عند إبداعاتهم التي رافقت تكوّن الهوية العربية في حقبات الاستعمار والاستقلال، في المدن والسجون، في القضايا الكبرى وشجون الحياة اليومية، في أمل التحرر من شعور الهزيمة. وكان الروائيون مرة يوغلون في التاريخ تجنباً للحاضر، ومرة في الخيال تمويها وتمسكاً بالبقاء، فكتبوا نصوصاً أسروا فيها الواقع اليومي المشحون بمخزون من مشاعر الخيبة والانتظار وبصور الأمل والحلم متجاوزة المكان والزمان. وأفادت الدراما التلفزيونية "من تراثٍ عريق في فن الحكاية والملاحم والسّير، وحوّلتها إلى مسلسلات تلفزيونية تتحلّق حولها الأسرة العربية التي كانت فيما قبل تتحلق حول الحكواتي، أو الراوي، في سهرات جماعية في النوادي والمقاهي". وكان من أهم ما حقّقه دخول العرب في النادي الفضائي" إلى جانب تشكيل الرؤى الفكرية وفهمها هو تقريب العادات والتقاليد، ومن ثم اللهجات العامية، فضلاً عن ترويج اللغة الفصحى في المسلسلات التاريخية والدينية". وهذه الهوية الثقافية التي تنتمي إليها الشعوب، على تعدد انتماءتها الأخرى، تسهم في إثراء الزمان والمكان بزمان ومكان آخر قد يظنّه الكثيرون، لبرهة، خارجاً عن نطاق الواقع المحسوس، يسكن الحلم البعيد. وهذا التراث الثقافي، حسب رسالة التقرير، ليس سوى طموح يُعيد إنتاج نفسه كلّ مرة في بناء كيان واقعي يمدّ أبناءه بأبسط شروط الأمان والاطمئنان والحرية والتنوّع، ويعيد قيماً بُنيت عليها المجتمعات الحديثة المزدهرة، و"مُنعت عن العرب زمناً طويلاً بفعل قوى الخارجية وداخلية". أما الموسيقى فلها، حسب التقرير، تاريخ طويل في تكوين الذوق العربي على المستوى الشعبي والثقافي. فهي الفنّ الذي عبر ويعبر كلّ حدود الزمان والمكان، والرقابة والتصنيف. وفي الموسيقى تألقت القدس وبيروت وبغداد ودمشق وتونس في قلب كل مواطن عربي من غير أن يعبر الحدود. وبهذه الشروط، يرى التقرير في الإبداع الثقافي والفني وسيلة للتكامل، ولغة له، ورسالة إليه. هو وسيلة لكسر قيود التشرذم وتوسيع فسحة اللقاء، ولغة تملك قوة التغيير مع الزمن، ورسالة تصل إلى البعيد حتى عندما يرتفع صوت الرسائل الأخرى. وفي النهاية الكلمة هي، حسب التقرير، "لأعمال هي ذاكرة لماضٍ، وصورة لواقع، ولوحة لمستقبل". هل من رافد أقوى للتكامل؟ * *** * ملاحظة: لمزيد من المعلومات: http://www.escwa.un.org/information/pubaction.asp?PubID=1550
arrow-up icon
تقييم