بيانات صحفية

4 آذار/مارس 2014

بيروت

التكامل العربي: دعوة متجددة يطلقها تقرير الإسكوا من أجل نهضة إنسانية شاملة

في 25 شباط/فبراير 2014، أطلقت الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا من تونس تقريراً لافتاً تحت عنوان "التكامل العربية: سبيلاً لنهضة إنسانية" بمشاركة فخامة رئيس الجمهورية التونسية محمد المنصف المرزوقي ورئيس الوزارء اللبناني السابق نجيب ميقاتي وبحضور جمع من القيادات السياسية والاقتصادية والفكرية والشخصيات العامة. وللمناسبة، وُزّع على الحضور وعلى مندوبي وسائل الإعلام الذين شاركوا في مراسم إطلاق التقرير ملف إعلامي نعيد نشر مضمونه على خمس مراحل وذلك لأهمية المواضيع التي يتطرق إليها التقرير. بيروت، 4 آذار/مارس 2014 (وحدة الاتصال والإعلام)— التكامل العربي هو ميزة بحكم التراث الثقافي والإنساني المشترك، وضرورة بفعل التحديات المتعاظمة التي تواجهها الدول فرادى في عالم تتقاذفه أمواج التغيير وتضعه كلّ يوم أمام آفاق وخيارات جديدة، قد يتعذر احتواؤها على دولة واحدة مهما بلغ شأنها حجماً ونفوذاً. هذه هي الرسالة الواضحة التي يحملها تقرير "التكامل العربي: سبيلاً لنهضة إنسانية". والمقصود بالتكامل الذي يدعو له التقرير هو ببساطة التكامل المفضي إلى نهضة تنعكس إيجاباً على "التنمية الإنسانية والأمن القومي، تكامل يتيح بناء وطن ناهض يصون الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية لكل مواطن عربي." وينطلق التقرير من أسس نظرية تؤكد على التكامل الشامل منطقاً، ومن تجارب عملية تبين فوائد التكامل على الاقتصاد والمجتمع، عبرة. ويبني التقرير على "مفهوم العمران البشري"، لعالم الاجتماع العربي ابن خلدون، فيوسع فضاء التكامل المنشود ليشمل جميع عناصر العمران: النظام الاقتصادي والنظام الثقافي والنظام السياسي والنظام التربوي، وما تُؤَسَس عليه هذه العناصر مجتمعة من وحدة روحية هي هوية الأمة، من دون أن يقوم فصل قاطع بينها بل تفاعل مثمر. ويربط التقرير هذه العناصر الأربعة بمشروع النهضة المرجو من التكامل العربي. فيرى التوجه نحو التطابق بين إرادة الشعب والحاكم هدفاً في النظام السياسي؛ وتحقيق بناء اقتصادي وتنموي عادل هدفاً في نظام اقتصادي يجمع فضائل الاقتصاد الحر مع القدرة على الإنتاج والرعاية الاجتماعية والبشرية في التنمية المستدامة؛ وبناء القدرات المعرفية والتقنية للإنسان هدفاً في النظام التربوي. والهدف في النظام الثقافي استعادة ألق الثقافة فتكون ذات فاعلية إبداعية، لا تقطع مع التقليد فيكون لها مصدر ثراء، ولا تخشى التحديث فيكون لها تجدداً وحياة. والتقرير يرى في التكامل الاقتصادي "الذي عكفت عليه الدول العربية منذ أواسط القرن الماضي" ركيزة هامة لمفهوم التكامل الشامل الذي يضمن حرية انتقال "الأشياء المادية والبنى الرمزية"، ومن باب أولى حرية انتقال البشر حاملي هذه البنى الرمزية، بين جميع الدول العربية دون قيود. فالتحديات السياسية والاقتصادية التي لا تقف عند حدود رسمية ولا تفرّق بين بلد وآخر أو شعب وآخر في المنطقة العربية، إنما تؤكد ضرورة وجود تكامل شامل "يكون الاقتصاد عصباً له وركناً أساسياً من أركانه" ، تكامل يعبر بالمنطقة إلى مشروع النهضة الإنسانية المرجوة. ويتناول التقرير ثلاثية الحضارة والثقافة والحداثة، على اختلاف المعاني المتعارف عليها، وعلاقتها بالنهضة، من حيث هي مشروع استعادة المبادرة التاريخية في مجال الإنجاز الحضاري. "ففي جميع النهضات التي شهدها التاريخ كان التحديث في بعث عصر ذهبي من الماضي بتأويل جديد يغير معناه ... فيصبح ذا معنى جديد يعيد الحياة للتراث والفعالية الرمزية للجماعة، أساساً للفعالية الحضارية ككل بأبعادها المادية والروحية". والأمة العربية والإسلامية ابتدعت هذا النوع من العودة الإحيائية أكثر من مرة في تاريخها. "وكلّ مرة، يصبح الصلح حاجة بين الثقافتين الروحية النقلية والعلمية العقلية لنهضة الأمة والتأسيس للمستقبل على إعادة تأويل الماضي". أليس الصلح حاجة اليوم؟ وتنساب الأفكار والتحليلات في هذا التقرير بسلاسة بين النظري والواقعي، بين التراثي والحداثي، بين الاقتصادي والاجتماعي، بين السياسي والثقافي، بين الجريء والمألوف، بين الواقع والطموح. وربّما كان المقصود منها سؤالاً يتردد في ذهن القارئ: أليس الصلح حاجة اليوم؟ الصلح بين فعل الاختيار والحرية والمسؤولية الجماعية، الصلح بين رفاه الفرد ورفاه الجميع، الصلح بين الوحدة والتنوّع. والحصيلة صلح بين عمارة الأرض وعمارة الإنسان. ويحرر التقرير صفة «العربي » من القومية بمعناها العرقي، فيعرّف العرب بقاطني "المتحد الجغرافي الواقع بين المحيط والخليج وقد غلب على إنتاج أبنائها الثقافي ومن ثم على تاريخها وتراثها الإبداع باللسان العربي الذي هو القاعدة المشتركة بينهم حتى وإن كان جل المبدعين في آداب الأمة وعلومها هم، حسب ابن خلدون، من غير العرب بالمعنى الإثني للكلمة". هو تعريف يسمي الكل بالبعض دون استثناء أو إقصاء. والتكامل الذي يدعو له التقرير هو الالتقاء الحر والطوعي بينهم، التقاء يستند إلى الهوية الجامعة دون أن يطمس الهوية الفردية لأي منهم. ومن أهم فوائد التكامل في منظور التقرير، تمكين العرب من امتلاك ناصية العلم والمعرفة حيث يتعدى ما يسمى الآن "بالعلم الضخم" طاقة أي من البلدان العربية منفرداً. وفي العصر الحديث تشكل المعرفة رافعة أساسية للنهوض والتقدم، وقد "أوشك على الانقضاء عصر تحديد مستوى التقدم البشري بمعيار التراكم المالي فقط، بينما يثبت اكتساب المعرفة وإنتاجها كمعيار أساسي لتقدم الإنسانية". ويبدو التعاون القومي العربي في مشاريع البحث العلمي والتطوير، من منظور التقرير، ضرورة لإقامة مجتمعات المعرفة واقتصادات المعرفة في عالم اليوم الذي يتسم بكثافة المعرفة وتسارع تقادمها. كما أن التعاون العلمي الوثيق بين الدول العربية يساعدها جميعاً في تعاملها مع المؤسسات الاقتصادية الدولية والكتل الاقتصادية الأخرى، ويتوقع أن يؤدي إلى تسهيل نقل التكنولوجيا بشروط أفضل، تنعكس إيجاباً على الإنتاجية في البلدان العربية. أما التكامل في الاقتصاد فلم يعد أحد أهم المقومات الأساسية للتنمية والازدهار فحسب، بل أضحى من مستلزمات البقاء مع قيام تجمعات إقليمية عملاقة. ومع تجزئة تصنيع السلعة على أكثر من مكان، وظهور ما يعرف بسلاسل القيمة العالمية، يعمل التكامل الاقتصادي على "تخفيض تكاليف الإنتاج وتحسين القدرة التنافسية، وزيادة الأرباح وتدوير الفوائد بين أعضاء التكتل، بدلاً من ذهابها إلى الخارج". وتجارب التكامل الاقتصادي الرائدة التي نجحت في العالم، وخصوصا في أوروبا، تدرجت في توسيع التكامل أفقياً بضم دول جديدة، وعمودياً بتعميق التكامل من مجرد منطقة تجارة حرة إلى اتحاد اقتصادي. وكان سند نجاحها الذي عاد بالنفع الاقتصادي الكبير على كل من أعضائها، إرادة سياسية حاسمة دعمت نهج التكامل وترتيباته. وإذا كان من عبرة يمكن استقاؤها من تجارب المجموعات الأخرى، فهي، حسب التقرير، أن مسيرة التكامل لا تبدأ بالضرورة من تحرير التجارة، بل يمكن أن تبدأ أيضاً من إقامة بنية إنتاجية قويّة تُبنى على أساس عمليات البرمجة الصناعية. ويبيّن التقرير أهمية تحرير انتقال جميع عوامل الإنتاج، لتوسيع المنافع المرجوة من التكامل. فيرى أنه "في حين لا تشترط المراحل البدائية من التكامل الاقتصادي حرية انتقال البشر بين بلدان منطقة التكامل، تشترط الأشكال الأشمل والأرقى من التكامل الاقتصادي حرية انتقال البشر، للعمل والإقامة في بلدان منطقة التكامل من دون عوائق، كما في الاتحاد الأوروبي. والبشر يحملون معهم دوما بنى رمزية تختزن أفكاراً ومعارف ومشاعر، ويكونون بنى تصبح مشتركة مع الوقت، بفعل تنقلها معهم بين بلد وآخر". أما الفوائد الأعم للتكامل الشامل الذي يتخذ من التكامل الاقتصادي ركيزة له ويكوّن له البيئة الحاضنة فهي في استئناف العرب مسيرتهم في تاريخ الإنسانية، واستعادة مقومات دور عالمي في وحدة المكان والزمان ووحدة القيم ووحدة الدورة الاقتصادية. وخلاصة هذا التقرير، أن تأجيل التكامل العربي إلى حين نهوض كل مكونات الوطن العربي إنما يضيّع فرصة تاريخية ونادرة لقيام مشروع نهضة إنسانية تتخذ من فرص التغيير التي لم تشهد مثلها المنطقة منذ قرون جسر عبور. وأي تأجيل إنما "يؤدي إلى إدامة الواقع الراهن الذي أعجز الوطن والمواطن عن النهوض بالجزء، أي قطريا،ً وبالوطن العربي، أي كلياً". فهل تنتقل المنطقة العربية مرة أخرى، عبر مشروع جدي ورصين للتكامل، من إرث التعثرّ وزمن الاستباحة إلى زمن نهضة إنسانية شاملة؟ قد يكون من المبكر الإجابة، ولكن لم يعد من الجائز التأخر في طرح السؤال. * *** * ملاحظة: لمزيد من المعلومات: http://www.escwa.un.org/information/pubaction.asp?PubID=1550
arrow-up icon
تقييم