التطورات الاقتصادية والاجتماعية في غربي آسيا لعام 2005-2006
أصدرت "إسكوا" "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في منطقة غربي آسيا، 2005-2006" وهي دراسة دورية تصدر كل سنة. وتعرض الدراسة مجموعة من مبادئ السياسة العامة الاقتصادية التي صيغت للمساهمة في رسم استراتيجيات إنمائية للمنطقة تتسم بكثافة فرص العمل وتخدم مصلحة الفقراء وترتكز على حقوق الإنسان. وقد أُنجزت هذه الدراسة قبل اندلاع الحرب في لبنان في تموز/يوليو 2006. ونتيجة لذلك، تحتاج بعض المؤشرات الواردة فيها، ولاسيما المؤشرات الخاصة بلبنان، إلى تنقيح في عدد لاحق.
وتركز الدراسة هذا العام على مجالات وأهداف غير تقليدية. فقد درجت سياسة الاقتصاد الكلي لعقود خلت على الانشغال بشاغل رئيسي هو تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، وعلى اعتبار النمو وتخفيف حدة الفقر نتيجتين طبيعيتين لهذا الاستقرار. وهذا النهج استُبعد في الدراسة ليحل محله نهج تخفيف حدة الفقر الذي ينبغي أن يكون أساساً في صنع السياسات الاقتصادية الوطنية، والذي يعطي لأهمية تخفيف الفقر دوراً رئيسياً في تحديد الاستراتيجية الإنمائية لمنطقة "إسكوا". ومن ناحية السياسة العامة، تعتمد الدراسة على السياسات الاقتصادية السريعة الانتشار التي تخدم مصلحة الفقراء، وعلى النهج المرتكز على الحق في التنمية.
ويجري في الدراسة تناول الأدبيات والروابط بينها وآثارها على السياسة العامة في منطقة "إسكوا" بمزيد من الشرح والتوسع. ويتم تحديداً تناول موضوع التفاعل بين العمالة والفقر والسياسة الاقتصادية، ولاسيما السياسة الضريبية، والسياسة المالية، والسياسة النقدية، وسياسة سعر الصرف. ونظراً إلى تعدد هذه المواضيع واتساع نطاقها، كان لا بد من تحديد خيارات عملية للسياسة العامة في بلدان أو مجموعات بلدان معينة من منطقة "إسكوا"، وتحديد السبل المؤسسية المؤدية إلى توليد النمو الذي يتسم بكثافة فرص العمل في هذه البلدان ويستوفي الشروط اللازمة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وغيرها من أهداف التنمية البشرية في أسرع وقت ممكن.
وتعتبر الدراسة أنه إزاء الارتفاع الكبير في معدلات البطالة في منطقة "إسكوا" وأنماط التفاوت المستحكمة منذ فترات طويلة في معظم بلدان المنطقة، لم يعد اعتماد هذه الأهداف خياراً مستحسناً فحسب بل هو خيار لا بد منه. فالتقديرات تشير إلى أن المنطقة تحتاج إلى توليد 35 مليون فرصة عمل لائقة في العقد المقبل حتى تتمكن من بلوغ أهدافها في إعمال الحق في التنمية. ويزداد تحقيق هذا الهدف صعوبة في ظل أنماط من العمالة تجمع بين ارتفاع معدلات البطالة وحركة الأيدي العاملة بين بلدان منطقة "إسكوا" وبينها وبين سائر مناطق العالم. ومن الممكن القول إن بلداناً عديدة في المنطقة تعاني من بطالة يطول أمدها بسبب العمل بسياسات تؤدي في النهاية إلى زيادة المخاطر عوضاً عن تجنبها. فالسياسات الحالية لا تعالج هذه المشاكل بما تتطلبه من الفعالية ولا تتماشى مع الأهداف الإنمائية للألفية ولا تنسجم مع العهود الدولية لحقوق الإنسان.
وتضيف الدراسة أن تحقيق هذه الأهداف الطموحة يتطلب تحقيق معدلات نمو أعلى وأكثر قدرة على استيعاب الأيدي العاملة من المعدلات التي شهدتها المنطقة في الماضي القريب إلا أن ذلك لن يكفي بحد ذاته. فمن الضروري إحداث تحول بنيوي في الاستراتيجية الاقتصادية لمعظم بلدان "إسكوا" مما يستلزم تهيئة بيئة مؤاتية على مستوى السياسة العامة، وتحقيق تحول نوعي في الظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة بعملية النمو. ومن الضروري أيضاً معالجة المناخ الأمني في المنطقة، وتشجيع الاستثمار، وتوثيق التعاون الإقليمي بهدف ضمان نمو اقتصادي سريع يرتكز على كثافة فرص العمل، وتحقيق النتائج المنشودة في التنمية البشرية، والإسراع في تكييف السياسة العامة. فالوفاء بالتزامات المنطقة في تحقيق التنمية البشرية وتنفيذ التزاماتها بموجب عهود حقوق الإنسان التي وقعتها يتطلب إجراء تعديلات هامة على صعيد السياسة الاقتصادية، والأهم من ذلك أنه يتطلب التزاماً وطيداً من الحكومات الوطنية ومن المؤسسات فوق الوطنية.
وتشير الدراسة إلى أن هذا التحول على صعيد السياسة الاستراتيجية يتطلب إرادةً سياسيةً ودعماً محلياً وخارجياً. وهذه المتطلبات يمكن استيفاؤها عن طريق التوفيق بين حشد الدعم السياسي المحلي لأهداف محددة بوضوح وقابلة للتحقيق، والتنبه إلى استخدام الأهمية الاستراتيجية التي تتفرد بها المنطقة. وإزاء هذه المهمة الدقيقة، يستحسن على الحكومات أن تعالج مشكلتي البطالة والنمو في منطقة "إسكوا" لما لهذه المنطقة من أهمية بالغة للاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم. وعلاوة على ذلك، يستحسن أن تعمل البلدان الأعضاء جدياً على الوفاء بالتزاماتها الدولية للقضاء على الفقر والأنماط الخطيرة لعدم المساواة. كما يجب أن يُسترشد بهذه الالتزامات وبضرورة رفع مستوى الرفاه الاجتماعي في أقرب وقت ممكن عند اختيار السياسة الاقتصادية على الصعيد الوطني.
وتقول الدراسة إن تعميم سياسات من نسق واحد على الجميع في المساهمة في تحقيق هذه الأهداف قد أخفق وأسهم بالتالي في تفاقم مشاكل الفقر والحرمان والبطالة في منطقة "إسكوا". لذا تعتبر الدراسة أنه يُستحسن الإقلاع عن هذه السياسات لتحل محلها سياسات تخدم مصلحة الفقراء وترتكز على حقوق الإنسان. ومن المنطلق ذاته، لا يصح للدواعي الأمنية والعلاقات التاريخية مع بلدان أو مجموعات اقتصادية أكبر أن تكون مبرراً لاتخاذ خيارات غير مؤاتية على مستوى السياسة العامة. فكثرة الانشغال بالتحالفات الجيوسياسية القصيرة الأجل يمكن بالفعل أن تعوق قدرة بلدان "إسكوا" على معالجة المشاكل الاقتصادية المحلية الملحة. وهذا يؤدي حتماً إلى زعزعة الأمن في المنطقة وتضييق المجال المتاح على صعيد السياسة العامة للتركيز على أولويات تخدم مصلحة الفقراء.
وتنقسم الدراسة إلى ثمانية فصول يتناول الأول آخر الاتجاهات والتطورات الاقتصادية في منطقة "إسكوا". ويستعرض الفصل الثاني السياسات الاقتصادية التي ترتكز على الحقوق وتخدم مصلحة الفقراء فيما يتطرق الفصل الثالث إلى المبادئ العامة للاستراتيجيات الاقتصادية التي ترتكز على الحقوق في منطقة "إسكوا". ويعرض الفصل الرابع قضايا معينة على مستوى السياسة العامة منها البطالة وتوزيع الدخل، وتوليد فرص العمل، والادخار والاستثمار، والسياسات المالية والنقدية، وسياسات مكافحة التضخم وميزان المدفوعات وأسعار الصرف. وفي الفصل الخامس، يتم التطرق إلى التباين في الدخل وتخفيف حدة الفقر. أما الفصل السادس فيبحث دور السياسات العامة في منطقة "إسكوا". ويعالج الفصل السابع الجوانب الاجتماعية للحق في التنمية فيما يتضمن الفصل الثامن الخلاصة والاستنتاجات.
ويخلص "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في منطقة غربي آسيا" إلى أن الهياكل المؤسسية الموروثة من حقبة الاستقلال والتي خضعت لتأثير الحروب وأجواء الحروب تعوق تقدم منطقة "إسكوا" نحو إنجاز الحق في التنمية. وهذا الحق يعني بالنسبة إلى المنطقة الحق في الأمن الذي لا يمكن أن يستتب إلا نتيجة لتعاون دولي وقد أصبح غداة اجتياح العراق ضرورة ملحة للاستقرار العالمي.